الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

دولة.. داخل دولة

من الأبعاد الخطرة للفكر الطائفي إيجاد انتماء آخر يقوم على أساس الحزبية المقيتة دون النظر إلى أي مسائل أخرى، فأصحابه على أتم الاستعداد لفعل كل شيء بشرط المحافظة على انتمائهم الحزبي، وهذا ما يظهر جلياً في التفجير الضخم الذي عصف ببيروت، فرغم تشرد الناس وموت الأبرياء وترويع الآمنين وتشتت الأسر، يخرج علينا حسن نصرالله بخطاب بارد يدين فيه ما وقع، ولنقارن حاله في إلقاء الخطاب بحاله عند مقتل قاسم سليماني، وعندها سندرك أن الولاء للطائفة والحزب هو الأهم والأساس عند حسن وجماعته، ولا يُستبعد أن يكون التفجير الذي وقع بسبب جماعته، ورغم هذا، سيخرج علينا بعدها كاذباً ومراوغاً لتبرير ذلك. لذلك يجب محاربة هذه الأفكار المتطرفة، وبيان أن تنظيم حزب الله يخالف أمر الله ويخالف نصوص الإسلام، فالله تعالى يقول: «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تَفرَّقوا..» (سورة آل عمران ـ الآية: 103)، ويقول أيضاً: «وإنَّ هذه أُمَّتُكم أُمَّةً واحدةً وأنا ربُّكم فَاتَّقُونِ فتقطَّعوا أَمرَهم بينهم زُبُراً كُلُّ حِزبٍ بما لديهم فرحون» (سورة المؤمنون ـ الآية: 52 ـ 53). لقد حارب الإسلام الطائفية المقيتة التي لا تراعي إلا مصلحة الحزب وحده حتى لو مات البشر وهلكوا، فلا قيمة لهم في نظر المتحزب لأنهم لا ينتمون لجماعته، بل يعيش أفراد الحزب وهم لا يرون إلا رئيس حزبهم، فهو ولي أمرهم الذي يبايعونه على السمع والطاعة في اليُسر والعسر، ولا يلتفتون لغيره وتراهم يقدِّمون الولاء والبيعة لشخص آخر يعيش في بلد آخر بعيداً عن ثقافتهم وأفكارهم ومنطقتهم لاشتراكهم في الولاء الحزبي، فكأنها دولة أخرى في وسط دولة، ولكم أن تتصورا حال أي بلد إذا كانت عقلية بعض أفراده بهذه الطريقة. فبعض البُلدان حباها الله بالخيرات العظيمة والنعم الوفيرة، ويتميز أهلها بالذكاء والفطنة، ولكن مزَّقتها الانتماءات الحزبية المقيتة. لقد بُعث النبي، صلَّى الله عليه وسلَّم، وجزيرة العرب في فرقة شديدة، حيث كانت كل قبيلة تفتك بالأخرى، فجمعهم النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، على كلمة واحدة هي راية الإسلام، وفي صحيح البخاري أن رجلاً من المهاجرين ضرب رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فأسمعها الله رسوله، عليه الصلاة والسلام، قال: «ما هذا؟ فقالوا: ضرب رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: دعوها فإنها منتنة». فانظروا كيف حسم الإسلام في مثل هذه المسائل، فالحزبية تُشتِّت الدول وتمزِّقها.