الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

المرفأ.. الإغماض والأقمار

عقب انفجار مرفأ بيروت بساعات محدودة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه سمع من جنرالاته أن الانفجار قد يكون وقع بسبب قنبلة أو صاروخ، ويبدو أن ترامب قال معلومة سابقة لأوان إعلانها، لذا وجدنا البنتاغون يحاول التنصل منها، دون نفيها، ثم صرَّح مصدر من البيت الأبيض أن من استمع إليهم الرئيس هم من المخابرات، وليسوا من البنتاغون. تصريح الرئيس الأمريكي وجد صدى عميقاً، كما يبدو، لدى الرئيس اللبناني ميشال عون، الذي ما يزال متمسكاً باحتمال أن يكون الانفجار نتج عن قنبلة أو صاروخ، ولو ثبت ذلك فسيكون إنقاذاً للحكم في لبنان، أما إذا تبيَّن أن الانفجار، وما ترتب عليه، نتيجة الإهمال والترهل الإداري والسياسي، فيجب أن يحاسبوا جميعاً، وسيكون عون مسؤولاً بشكل ما، أما إذا ثبت أن هناك عملاً إجرامياً أو أصابع أجنبية، فسيصبح الحكم ولبنان كله ضحية تآمر أجنبي أو إرهابي، لكن لا يجب أن يفوتنا أن عون في الأصل رجل عسكري، كان قائداً للجيش اللبناني، أي: إن شكوكه ليست من فراغ، ولا من باب أنه سياسي يأخذ بنظرية المؤامرة. تمسك الرئيس عون باحتمال زرع قنبلة أو إطلاق صاروخ، هو ما دفعه إلى أن يطلب من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن يمدَّه بما لديه من صور الأقمار الاصطناعية عن الحادث، والواضح أن ماكرون وعده بذلك أو على الأقل لم يرفض ولم ينفِ وجود الصور، الرئيس عون من جانبه أعلن أنه إذا لم يقدِّم الرئيس الفرنسي الصور فسوف يطلبها من دول أخرى، والمعنى أن الشك لديه يقترب من اليقين. والمؤكد أنه بسبب ما يجري في سوريا وبسبب الاحتدام على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية، هناك عدة أقمار تتابع المنطقة كل لحظة وبأدق التفاصيل، أقمار أمريكية وروسية وفرنسية، يمكن أن نضيف كذلك الأقمار الألمانية والبريطانية والإيطالية، ناهيك عن المصادر المخابراتية التي تعمل ميدانياً على الأرض بلا توقف. اللافت هو الصمت أو الإغماض التام لتلك الأقمار والمصادر بعد أسبوع من احتراق المرفأ، وقارن ذلك بحادث الطائرة الأوكرانية في إيران يناير من هذا العام، فما إن أعلنت سلطات مطار طهران الدولي أن الطائرة الأوكرانية احترقت بسبب خلل فني، حتى تم تسريب لقطة التقطها قمر أمريكي يثبت أن الطائرة سقطت بفعل صاروخ إيراني أُطلق عليها من مسافة قريبة جداً من المطار، ما دفع طهران إلى الاعتراف الكامل وعلى أعلى مستوى. السؤال الآن: لماذا هذا الإغماض لتلك الأقمار في حالة مرفأ بيروت؟ وهل هناك طرف أو أطراف لا يُراد إحراجها وكشفها؟ وهل ما رصدته الأقمار يثبت أن هناك مؤامرة ما أو فعلاً إجرامياً، لو كُشف، يقلب دفة الأمور في الشارع اللبناني والعربي كله؟ وهل هناك من دبَّر وخطَّط دون أن يرِد بخاطره وجود العنبر رقم 12، فوقعت الكارثة الكبرى، ولما لا ننطق بها؟ هل خططت أصابع أجنبية مع عملاء محليين لإحراق بيروت، كما أُحرقت القاهرة في يناير 1952؟ يبدو أن الأقمار الحديثة جداً، اليقظة والمبصرة تماماً، يُراد لها أن تبقى مغمضة عما جرى عصر يوم الثلاثاء الرابع من أغسطس، وينتهي الأمر إلى مجرد إهمال عامل المرفأ.