السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

بيروت.. قُومِي إكراماً للإنسان

بيروت، التي نحن شركاء في حبها، والتي شاركناها هواءها وجبلها وفرحها وبحرها.. احترق مرفأها واختنقت سماؤها بالدّخان، وقتل بعض أهلها وفزع آخرون، وتكسرت أجنحتها وملّ أهلها المصائب التي تمر بهم مراراً وتكراراً، كما ملوا تحكم ميليشيات الفرس فيهم، وفساداً قتل أحلامهم ودمر بيوتهم وهدد وظائفهم واستقرارهم وأمنهم. مرفأ بيروت احترق بمواد متفجرة يعلم سرها بعد الله الخونة والمجرمون، الذين شاركوا في تخزينها وجعلها قنبلة موقوتة دمرت المنازل، وطمست الشوارع، وأضحت المدينة بلا ملامح، وهرب سكانها من موت محقق، غيّب منهم من غيّب، وبقي كثيرون من أهلها ينتظرون منكوبين قد يخرجون من تحت الركام، وعلى محياهم دهشة الموت وفزع الفاجعة. يا بيروت.. التفاصيل التي عشقناها صارت رماداً، المرافئ التي (كسدرنا) فوقها عاشقين وزائرين تبحث في أحضانك عن مرفأ لا بوصلة لها اللحظة، المقاهي البيروتية والمطاعم الباذخة وتلك البسيطة في القرى لا نار ولا حطب موقدة، ولا جمعة للأحبة إلا على أبواب المشافي التي صمدت في وجه العاصفة النارية، والتي عادت بنا إلى فاجعة هيروشيما وما خلفته لسنوات من ذاكرة محترقة وتاريخ أسود وأجنة مشوهة. يا بيروت.. قومي إكراماً للإنسان.. قومي إكراماً للشعراء الذين هاموا بك، للعشاق الذين يحملون رسمك كتعويذة حب وحياة، للزوار الذين يحملونك معهم حين يعودون لأوطانهم كعاصفة يخبئونها بين طيات الذاكرة وفي صناديق الذكرى. يا بيروت تئن فيروز كل صباح فلا نحن نستقل ـ البوسطة ـ ونذهب معها في رحلة إليك، ولا نحن شفينا من شوقنا إليك، للمساجد والكنائس والمرافئ والشواطئ العارية تحت شمس حانية، وأهلك الطيبين الذين يلوحون لنا بابتساماتهم وكرمهم البيروتي، وأفراحهم التي لا تنتهي وإن طلعت شمس يوم جديد. قومي كطائر الفينيق من تحت الرماد، كامرأة تنهض من ألمها المؤبد وقهر قاتل تعوّد أن يسجنها بحزنها. أشتاق أن تعودي قصيدة ترفرف في سماوات الشعر، وحبيبة يغازلها عشاقها من كل صوت فلا يغارون من كثرتهم، ويقتسمون رغيفك بحب ويتسابقون إليك. يا بيروت القصيدة وفيروز، وشارع الحمراء والمكتبات والمسارح.. قومي من تحت البحر المحترق والشظايا والحكايا المؤلمة، فاللبنانيون يحبون الحياة ويستحقونها، وإذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر.