الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

مأساة بيروت.. حقيقة غائبة

يبدو لبنان وكأنه لوحة فسيفسائية من الغموض والتناقض في منطقة الشرق الأوسط، حيث تتجاور فيه حياة الفلل والقصور الفخمة مع البيوت والأحياء الأكثر فقراً في العالم.

ويوجد في لبنان عدد كبير من أصحاب الملايين والمليارات، الذين يمتلكون أو يشرفون على إدارة شركات عالمية وعقارات باهظة الثمن، إلا أن خزينة الدولة أصبحت فارغة تماماً، ولم يعد أمام اللبنانيين إلا الاعتماد على المساعدات المالية الخارجية.

وتراكمت ثروات الأغنياء اللبنانيين في الخارج، ثم عادوا بها إلى وطنهم من أجل الهروب من الحياة الغربية الصاخبة، أو الخوف من التعرض للسجن بسبب المخالفات المالية.


وكانت فترة الـ15 عاماً من الحرب الأهلية المدمرة التي امتدت من عام 1975 حتى 1990، متبوعة بطفرة بناء وتشييد ضخمة استمرت 30 عاماً لم يعكّر صفوها إلا عمليات التفجير المتكررة، التي كان من أشهرها الانفجار الضخم الذي ذهب ضحيته رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري يوم 5 فبراير عام 2005.


كانت بيروت تعرف في كل مرة كيف تضمّد جراحها، وتعيد بناء حواضرها ومنشآتها، وما زاد الطين بلّة أن إعادة إعمارها التي تعقب عمليات التفجير والتخريب، كانت تزيد من الديون المترتبة على الدولة، ولم يكن لديها ثمة وسيلة لسدادها، وأدى ذلك إلى حدوث انهيار اقتصادي حاد تصعب السيطرة عليه، والذي استفاد منه عدد قليل من النخب السياسية والاقتصادية.

وكانت بيروت تشتهر بمشاريع التطوير العقاري الأكثر رواجاً في الشرق الأوسط، وكانت تباع بسرعة، ولكن لا يبدو أنها تحقق ربحاً جيداً، وربما يكون هناك من تنفس الصعداء عندما طمس الانفجار الأخير الممتلكات التي باعوها، ليخفي معها الأدلة على العيوب القاتلة في البناء وعدم جدوى استثمارها تجارياً، وربما أصبح هؤلاء يمتلكون فرصة لبناء العقارات في أماكن أخرى وبيعها لزبائنهم.

ويوم 10 أغسطس الجاري، استقالت الحكومة التي يرأسها حسان دياب بسبب الضغوط والانتقادات القوية التي تعرضت لها، بالرغم من أنها بدأت عملها يوم 21 يناير الماضي ولا يمكن أن تُنسب إليها المسؤولية عن هذا الإهمال القاتل الذي وقع منذ 6 سنوات، وكان من الغريب أن تسمى عند تشكيلها حكومة الإنقاذ، إلا أن كل ما فعلته كان يتلخص بدعم النخب الطائفية الفاشلة والمثيرة للفوضى.

ويريد العالم الآن أن يعرف ما الذي كان وراء الانفجار؟ ومن الذي تسبب إهماله أو عمله في حدوث هذه الكارثة الكبرى؟ إلا أن مهمة البحث عن الحقيقة تواجه الإهمال والتردد من جديد، حتى بعد هذه الحالة الغريبة والغامضة لهذا الانفجار المهول، الذي قضى على القسم الأكبر من جهود دامت 3 عقود بعد انتهاء الحرب الأهلية لإعادة بناء وسط بيروت. ولعل الشيء الوحيد الذي بقي ثابتاً بدون تغيير هو الذي يتعلق بالقواعد الثابتة للعبة سياسات الشرق الأوسط، التي تتلخص في التنصل من المسؤولية وإلقاء اللوم على الآخرين.