الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

تونس.. حرج الأحزاب

إعلان رئيس الحكومة التونسية المكلف، هشام المشيشي، عن نيّته الذهاب نحو حكومة كفاءات مستقلة عن جميع الأحزاب، بقدر ما لاقى ترحيباً ومساندة من فئات واسعة من الشعب، فإنه كان دالاً على ملمحيْن طَبَعَا الحياة السياسية التونسية طيلة سنوات ما بعد الثورة.. الملمح الأول، متصل بالمسافة التي كانت تفصل اهتمامات الأحزاب عن أزمة البلاد وتطلعات العباد، وهي مسافة لخَّصها المشيشي بقوله: إن «المواطن بدأ يفقد الثقة في قدرة النُّخب السياسية على تقديم الحلول المطلوبة والاستجابة لتطلعاته».

أما الملمح الثاني، فهو متصل، بالتحديد، بحركة النهضة التي لم تغبْ عن أي حكومة من الحكومات التي تعاقبت على حكم البلاد منذ عام 2011، ولعّل الوضع الاقتصادي الراهن يمثل قرينة على العجز المزمن عن تلمس حلول للأزمة، التي تردَّت فيها تونس، والتي تزداد استفحالاً، خاصَّة مع ما ترتب عن تفشي وباء كورونا.

وبالتالي، فإن قرار المشيشي بالذهاب نحو حكومة كفاءات مستقلة، الذي حظي بمساندة الرئيس قيس سعيد والنقابات الوطنية، يمثل في جوهره موقفاً محدداً يضمر إبعاداً لحركة النهضة وحلفائها عن المشاركة في الحكومة أو التأثير في خياراتها.


على ذلك، فإن توجه المشيشي أنتج ردود أفعال متقابلة، تلخص المشهد السياسي في البلاد، إذْ رحب الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة (منظمة رجال الأعمال) بالتوجه نحو حكومة كفاءات، وساند الحزب الدستوري الحر توجه المشيشي مع التشديد على ضرورة القطع مع الإسلام السّياسي، وفي المقابل أصرت النهضة وقلب تونس على «الحكومة السياسية» من منطلق الوفاء لنتائج الانتخابات.


وكانت مساندة المنظمات الوطنية لفكرة حكومة الكفاءات منطلقة من قراءة «تقنية» للوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، في حين كان رفض النهضة وتوابعها منطلقاً من البحث عن تموقع سياسي.

الثابت أن «حكومة الإنجاز»، وفق توصيف المشيشي، ستحصل على ثقة مجلس نواب الشعب، لا اقتناعاً بتصوراتها أو بحثاً عن حلول تقي البلاد المزيد من السقوط في متوالية الأزمات، بل لأن غالبية الأحزاب تعي أن سقوط حكومة المشيشي، يعني حل البرلمان والذهاب نحو انتخابات مبكرة تعيد هندسة المشهد السياسي وفق معطيات جديدة.

تحتاج تونس إلى أجوبة عملية عن أسئلة الاقتصاد، في حين تصر الأحزاب على التعاطي مع الواقع الراهن بعقلية الغنيمة، ولذلك فإن رفض النهضة وقلب تونس لتوجه المشيشي هو رفض خجول لا يعدُ بتغيرات ولا يمتلك أدوات ضغط أو مناورة.. «حكومة الإنجاز» هي فرصة لإصلاح ما أفسدته أحزاب السلطة.