الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

لعبة «المقاومة».. والعرب المعاصرون

لا توجد كلمة أكثر استهلاكاً في العصر العربي ـ الطباشيري ـ الحديث، مثل كلمة «مقاومة»، وهي أكثر كلمة تعرضت لكل عوامل التجوية والتعرية السياسية، حتى تم مسخها لتصبح آنية مستطرقة، يتشكل فيها المحتوى «السائل» بحسب الانحناءات المطلوبة.

«المقاومة»؛ تلك الكلمة السحرية التي لو تتبعتها لما وصلت إلى حقيقة، بقدر ما غامرت في متاهات العقل السياسي العربي التي تضيع فيها الكلمات، تجرجر خلفك أثقالاً من الخيبات المتراكمة.

مقاومة ماذا بالضبط؟ إسرائيل؟.. ما هي حدود وضوابط مفهوم المقاومة في عالم يتزحزح قاريّاً، وفي خضم صعود فكرة الإنسان.


ما معنى أن تقاوم إسرائيل طوال هذا العمر، وأنت تنكل بشعبك مثلاً وتحرمه حرية القرار؟ وما معنى أن تطالب بحرية الفلسطينيين وأنت تتسلى بالقمع لتثبيت سلطتك «المقاومة»؟


بالضرورة، إسرائيل أيضاً تقاوم كل هذا التجييش الذي يهدد وجودها، لكن إسرائيل (ولنكن صريحين) دولة مؤسسات، ودولة قانون.. إسرائيل ألقت برؤساء وزارات كانوا أبطالاً وطنيين في السجن لأنهم فسدوا.. ببساطة.

إسرائيل دولة احتلال؟ نعم وهذا جداً صحيح.. أليس الأجدى أن نقاوم لإزالة الاحتلال لا توظيفه لغايات شرعنة الاستبداد؟

ألم تكن لعنة الاستبداد التي أغرقنا أنفسنا بها دوماً هي شبكة نجاة الاحتلال الإسرائيلي طوال عقود الاحتلال؟.. ألم يصل الاستبداد نفسه بكل مشتقات الفساد الطحلبي فيه إلى النموذج المصغر للدولة الفلسطينية من خلال سلطة حكم ذاتي لا هي لحم دولة ولا حتى تحت شحم إدارة الاحتلال، فانتهت إلى حكم بوليسي وتقوقعت بمواردها على «ذات» رموزها «النضالية» فسقطوا وانتهت صلاحيتهم؟

وها هي المفردة السحرية ذاتها - وهي تفقد هذا السحر مع التقادم والاستهلاك - تجد نفسها في لبنان، عنواناً لمآسيه، فيدفع ثمن المقاومة من حياة أهله وناسه طوال عقود.

اليوم، مقابل إدارة الاحتلال، وهو مصطلح واقعي وشرعي في العلاقات الدولية، استحدث «المتفذلكون» من تحالفات الياسر البائس والعمامة المتفقهة شرعياً، مفهوم «إدارة المقاومة»، وهي إدارة لا تجديد مقاومة فعلية، كما يمكن لنا أن نتخيل «المقاومة الفرنسية» في الحرب ضد ألمانيا مثلاً، بل هي إدارة كل عائدات الجعجعة بلا طحن، وهو استثمار مالي ضخم غير مرئي وشبحي، لك أن تتخيل فيه أسواقاً ضخمة موازية لها القدرة حين تتضخم كثيراً أن تهدم اقتصادات الدول الحاضنة لها.

وكله باسم «المقاومة».