السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

لبنان.. الجغرافيا السياسية

عقب حرب الخامس من يونيو 1967 تعرّض لبنان من بعض مراهقي الصحافة والسياسة العرب إلى هجوم حاد وانتقادات قاسية، قامت تلك الحملات على أن لبنان لم يشارك في الحرب وأنه تخلى عن الأشقاء ولم يعد في خندق العروبة، إلى آخر ذلك القاموس القائم على «التخوين» المسبق.

ورغم أن الحرب فرضت علينا، فقد كانت إسرائيل هي التي خططت وبادرت بالهجوم، وثبت من المعركة أنه لا مصر ولا سوريا ولا الأردن كان لديها أي خطة للهجوم على إسرائيل، لكن دائماً هناك من يقتاتون على المزايدة في ذلك الموقف العجيب، لكن جنب الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر لبنان الحرج وأطلق تصريحه الشهير: «خير للبنان ألا يشارك في المعركة على أن يفقد وحدته الوطنية».

كان عبدالناصر يدرك حساسية المجتمع اللبناني والتنوع الطائفي به، هذا التنوع يقتضي الحرص على دوامه قوياً، بدلاً من الخوض به في معارك استقطاب تمزقه، والأهم من ذلك التنوع هو خطورة موقعه الجغرافي، فلبنان على مسافة قريبة جداً من إسرائيل، وعدم الاحتراز في التعامل معها يعرضه لمخاطر حقيقية.. لبنان كذلك شديد الالتصاق بسوريا، حتى إن دخان حريق المرفأ غطَّى سماء دمشق في اللحظة ذاتها، وفضلاً عن ذلك يستضيف لبنان أعداداً كبيرة من الأشقاء الفلسطينيين، ولهذا كله فهو عرضة لتدخل دائم وتحفز من أطراف عديدة، وهذا يجعله معرضاً للرصد الدائم من كبرى أجهزة المخابرات في العالم، ويمكن أن يغري بعض الحمقى بالمغامرة.


لقد تعرضت النخب السياسية اللبنانية إلى هجوم حاد مؤخراً في الشارع اللبناني والعربي كله، بل في فرنسا والولايات المتحدة، واتهموا بالفساد المالي وبالطائفية المقيتة، لكنهم كذلك لم يدركوا معنى لبنان جغرافياً، فجعلوه معبراً لتهريب المتفجرات إلى سوريا، بل جعلوه طرفاً في أتون الحرب السورية ـ السورية، التي توشك أن تتم عقداً، وسمحوا باستخدام لبنان في التضاغط الإسرائيلي ـ الإيراني، متناسين مصلحة لبنان، ومتناسين كذلك أن إيران في حربها مع العراق تلقت سلاحاً إسرائيلياً، فيما عرف بفضيحة «إيران جيت».


مصير لبنان يقتضي احترامه جغرافياً، وهذا ما فشلت فيه نخبه الحاكمة، ونقرأ أحياناً عن غياب الوعي التاريخي أو الجهل بالتاريخ، وهذا صحيح إلى حد ما، لكن الأخطر هو الأمية الجغرافية في بعض الحالات، وهذا سر كثير من أزمات عالمنا العربي.. النموذج الأوضح الآن هو لبنان العزيز، الذي يستحق الأفضل.