السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

العصر الفيروسي مقبل

بات شبه مؤكد أن كوكب الأرض سيواجه مناخاً فيروسياً متجدداً ومتواصلاً، وهو ما حذر منه علماء الفيروسات انطلاقاً من معطيات علمية غير مطمئنة، خاصة تحذير منظمة «اتحاد العلماء» المنشور في مجلة «بيوساينس».

تشير مختلف التوقعات إلى أن ارتفاع عدد سكان الأرض سنة 2050 إلى 9.7 مليار سيزيد من الضغط على الحياة البرية الحاضنة لكثير من الفيروسات الخفية، التي تنتظر فرصة انتقالها إلى البشر، من تبعات هذا التوقع إذا حدث، وقوع العالم في أزمة صحية عاصفة تتلف الاقتصاد والمجتمعات والثقافات.

لأن النتيجة المنطقية لتفشي الموت وتمدد مناخ الفزع، هي فقدان الإنسان لتوازنه الذاتي وهروبه من كل ما هو خارجي عنه إلى خلاصه الفردي تمسكاً بالحياة في أي صورة آلت إليها الأوضاع المستجدة.


بمعنى، أننا سنواجه إنساناً آخر لا علاقة له بقيم المجتمع وبالكائن المواطن وبالدين، إنه «الإنسان الناجي» الباحث عن نجاته فقط، أو «الإنسان الهمجي» الشبيه بلصوص القرون الوسطى المعتدي على الغير، ستنتقل آفة هذا الإنسان إلى منظومة الدول وسيتحول هاجس النجاة والخلاص والهمجية إلى حروب رهيبة لا حدود لها.


وعليه يفترض لمواجهة العالم الفيروسي المقبل، وما يحمله من تبعات كارثية صحية واقتصادية ومالية واجتماعية، ممثلة في الجحيم الآتي الذي سيخسف بالأرض من تحت الجنس البشري، خلق قطيعة مع النمط السائد الذي ينظم علاقات الدول وفق مبادئ الليبيرالية المتوحشة، وترسبات الأفكار والمواقف من الهويات والثقافات والرغبة في الثأر الّتي ترسخت في وعي ولاوعي الأفراد والجماعات منذ حروب القرون الوسطى، وما تبعها من أحداث غطتها القرون التي جاءت بعدها.

العالم اليوم بحاجة قصوى إلى هذه القطيعة مصحوبة بقطعية تاريخية يتم بموجبها تعاقد دولي عادل، لا يقوم على مصلحة دون أخرى، يلزم كل الدول بنسيان الماضي الذي يفرق، مهما كان مُراً.

هدف هذا التعاقد هو القطيعة مع لعبة النظام الدولي الذي أقامته أمريكا، وبناء نظام دولي مغاير مهمته التجند لمواجهة العصر الفيروسي، وبناء علاقات دولية جديدة تقوم على التضامن واحترام سيادة الدول، والارتقاء بالمعرفة الشمولية التي تشكل فيها المعرفة الطبية قطباً من أقطابها الرئيسية، ومن سمات هذا النظام مايلي:

الاعتراف المنصف بالذكاء الكوني المترفع عن كل عنصرية، والذي يجعل من الإنسان المبدع والمبتكر مِلْكاً للبشرية يحظى بنفس الاهتمام والرعاية التي كان يحظى بها مبتكرو الدول الكبرى.

اعتبار الأمن الإنساني بكل دلالاته قضية كبرى لهذا النظام، وهو أمن يتعدى ما هو صحي ليشمل الاقتصاد والبيئة، لأن ما قد يحصل في أضعف دولة في العالم أمام هشاشتها المركبة، يؤثر سلباً على قيمة تجانس العالم في مواجهة الوباء الفيروسي.

إننا إذن أمام تحدّي إنقاذ الإنسانية من قدوم عصر فيروسي رهيب، فإما أن يكون العالم آمناً بالتضامن والتعاون أو لا يكون مطلقاً.