في لحظة، استيقظت من ذهولي في شارع «بنسلفانيا أفينو» في واشنطن العاصمة، كأنني أرى مدينة (واو) مسقط رأسي جنوب السودان في ستينات القرن الماضي، عندما كنت يافعاً إبان الحرب الأهلية بين جيش الحكومة السودانية وحركة «أنانيا واحد»، التي كانت تطالب بالحرية والمساواة والعدالة.ومع امتداد السياجات ونقاط التفتيش، والأسوار وحواجز الطرق في جميع أنحاء المدينة، حتى الشارع المطل على مقر الديمقراطية قد كُبل، ذلك المنظر أخذني إلى تلك المشاهد التي ظلت عالقة في ذاكرتي منذ الطفولة، وسردتها في روايتي «العرس الدامي»، فكل ما يخالج الإنسان من مشاعر مثل الخوف، التوجس، الأمل، الشك، تجسدت في هذا الشارع، فهل حقاً نحن في عاصمة الحرية؟قد تختلف المواقع، لكن الوقائع والأسباب متسقة لظهور مثل هذه الأزمات، فالغطرسة، وحب الذات، ونبذ الآخر، والتطرف والتمسك بكبرياء العنصر، والقمع، كلها وقود للتوتر والانفجار، ومع الأخذ في الاعتبار صعوبة المقارنة بين واشنطن ومدينة «واو» عاصمة غرب بحر الغزال، تظل الأحداث متشابهة إلى حد التطابق بين زمنين، فالعنف والإرهاب وكبت الحريات ورفض المنطق سمات سادت في الحالتين.بالتعمق في المشهد السياسي في الولايات المتحدة، نجد أن الأمر أبلغ بكثير من مجرد صراع سياسي بين من خسر ومن ربح، منذ بداية الجدل الانتخابي والاتهامات المتبادلة بين أنصار الحزبين، وإلى المشهد المؤسف الذي شهده العالم، باقتحام معقل الديمقراطية الأمريكية «مبنى الكابيتول»، ما غيّر من نمط الحياة الأمنية في مدنها.شكّل هذا المشهد بُعدين، الأول أخلاقي والثاني سياسي، وربما الأول رآه بعض الجمهوريين الذين صوتوا لصالح عزل الرئيس ترامب، فإنهم بهذا التصويت يسجلون موقفاً تاريخياً، حتى لا تقوض الديمقراطية في عيون الشباب والأطفال، والثاني غض النظر عن الخسارة السياسية كأمر واقع، مع إبداء تخوفهم مما سيحدث بعد ذلك.لا يقتصر الكفاح بعد يوم التنصيب على خسائر الجمهوريين ومكاسب الديمقراطيين، بل على الانقسام الحاد في المجتمع الأمريكي، فمن الصعب تجاهل شريحة كبيرة من مؤيدي ترامب، مع ضرورة عدم إهمال خلفيات اليمين المتطرف في تشكيل الأحداث.لا شك في أن المواقف المتوازنة للرئيس المنتخب جو بايدن مهمة لتبديد مخاوف العنف قبل وبعد تنصيبه، فما قاله عن أولوية رأب الصدع وترك اللغة المعادية جانباً وإنهاء الشيطنة، كلها ستكون صمام الأمان في ملامح الفلتان الذي يلوح في الأفق، والعمل من أجل إعادة توحيد الولايات المتحدة والحفاظ عليها من مستقبل مؤسف في المقبل من الزمان.
مركزية الدولة المصرية.. إلى أين؟

صحفي وكاتب وإعلامي مصري، له تاريخ صحفي طويل، شارك في تغطية الكثير من الأحداث المهمة في مختلف دول العالم.
قدم عدداً من البرامج السياسية في التلفزيونات المصرية والعربية.
شغل عدداً من المواقع، منها رئيس مركز أخبار مصر في التلفزيون المصري، وآخرها العضو المنتدب ورئيس تحرير صحيفة «المصري اليوم».
22 أغسطس 2020
20:13 م
منذ سنوات بعيدة، والعاصمة هي مركز الحياة في مصر.. هي كالشمس التي تدور حولها الكواكب، وهي أيضاً رابطة العقد، ومركز الكون بالنسبة للمصريين جميعاً.
وقياساً على هذا، فإن الدولة حافظت على مركزيّتها طوال هذا الوقت، بل رسَّخت الفكرة لدى أصحاب السلطة والرأي، وكذلك لدى أصحاب القيل والقال، ولدى جموع الشعب، الذي أسهم بدوره في ترسيخ فكرة المركزية.
وعلى فترات متباعدة تخرج مجموعة من الناس، سواء من داخل السلطة أو من خارجها ترفع شعار «اللامركزية»، وكنت دائماً من غير المقتنعين بتطبيق هذا المفهوم على الأرض في مصر، تلك الدولة التي خلقت مركزية وعاشت مركزية السلطة طوال آلاف السنين، وذلك لصعوبة تطبيقها.
فالسلطة المركزية ليست سوى تعبير عن مركزية شخصية الدولة المصرية، وليس مستغرباً أن نلمس نفس الروح والنفس اللذين سادا أوساط الدولة في مصر عبر تاريخها، كذلك ليس غريباً أن تتكرر نماذج من شخصيات سادت من قبل، سواء سياسيون أو رجال الأعمال، ما اختلف فقط هو المظهر، لكن المضمون هو ذاته.
أيضاً ليس مستغرباً تلك الحركات البهلوانية، التي يقوم بها البعض بالانتقال بتميز ملحوظ في القدرات البهلوانية من اتجاه إلى آخر.. كل ذلك متوقعاً، قد تكون درجة التحول وسرعة الهرولة أكثر من استيعابها، ولكن في النهاية يظل سلوكاً متوقعاً.
ويظل السؤال: هل يمكن لمصر أن تخرج من أَسْر استمرار ورثة السلطة المركزية على مر آلاف السنيين حتى الآن؟
من الممكن أن يحدث ذلك، ولكن إذا فهم الجميع، حكاماً ومحكومين، أن السلطة ليست هي محور الكون، وليست هي الشمس التي تدور حولها الكواكب، فقط هي جزء أصيل من نسيج أكبر اسمه الدولة، كذلك الشعب لا بد أن يُدرك أنه ليس هذا الشيء المنتظر دائماً لحركة السلطة ولقراراتها، بل لا بد له أن يعمل ويكون فاعلاً في حركة دوران التاريخ والجغرافيا.
من الممكن أن تنتهي المركزية إذا آمن الجميع أن الدولة ملك لنا جميعاً، وأن البناء هو مشروع يشترك فيه الكل بقدر مسؤولياته.
نعم، الآن توجد محاولات جادة للقضاء على المركزية، ونعم سندعو جميعاً باستمرارها، ولكن هل نستطيع فهمها أولاً، والإيمان بها ثانياً؟ أتمنّى.
وقياساً على هذا، فإن الدولة حافظت على مركزيّتها طوال هذا الوقت، بل رسَّخت الفكرة لدى أصحاب السلطة والرأي، وكذلك لدى أصحاب القيل والقال، ولدى جموع الشعب، الذي أسهم بدوره في ترسيخ فكرة المركزية.
وعلى فترات متباعدة تخرج مجموعة من الناس، سواء من داخل السلطة أو من خارجها ترفع شعار «اللامركزية»، وكنت دائماً من غير المقتنعين بتطبيق هذا المفهوم على الأرض في مصر، تلك الدولة التي خلقت مركزية وعاشت مركزية السلطة طوال آلاف السنين، وذلك لصعوبة تطبيقها.
مارك لافيرني
منذ يومين
د. نصر محمد عارف
منذ يومين
فالسلطة المركزية ليست سوى تعبير عن مركزية شخصية الدولة المصرية، وليس مستغرباً أن نلمس نفس الروح والنفس اللذين سادا أوساط الدولة في مصر عبر تاريخها، كذلك ليس غريباً أن تتكرر نماذج من شخصيات سادت من قبل، سواء سياسيون أو رجال الأعمال، ما اختلف فقط هو المظهر، لكن المضمون هو ذاته.
أيضاً ليس مستغرباً تلك الحركات البهلوانية، التي يقوم بها البعض بالانتقال بتميز ملحوظ في القدرات البهلوانية من اتجاه إلى آخر.. كل ذلك متوقعاً، قد تكون درجة التحول وسرعة الهرولة أكثر من استيعابها، ولكن في النهاية يظل سلوكاً متوقعاً.
ويظل السؤال: هل يمكن لمصر أن تخرج من أَسْر استمرار ورثة السلطة المركزية على مر آلاف السنيين حتى الآن؟
من الممكن أن يحدث ذلك، ولكن إذا فهم الجميع، حكاماً ومحكومين، أن السلطة ليست هي محور الكون، وليست هي الشمس التي تدور حولها الكواكب، فقط هي جزء أصيل من نسيج أكبر اسمه الدولة، كذلك الشعب لا بد أن يُدرك أنه ليس هذا الشيء المنتظر دائماً لحركة السلطة ولقراراتها، بل لا بد له أن يعمل ويكون فاعلاً في حركة دوران التاريخ والجغرافيا.
من الممكن أن تنتهي المركزية إذا آمن الجميع أن الدولة ملك لنا جميعاً، وأن البناء هو مشروع يشترك فيه الكل بقدر مسؤولياته.
نعم، الآن توجد محاولات جادة للقضاء على المركزية، ونعم سندعو جميعاً باستمرارها، ولكن هل نستطيع فهمها أولاً، والإيمان بها ثانياً؟ أتمنّى.
الأخبار ذات الصلة
عمر عليمات
منذ يومين
معد فياض
منذ يومين
وفاء صندي
منذ يومين
ميسون أبوبكر
19 يناير 2021
بشار جرار
18 يناير 2021
فينيامين بوبوف
18 يناير 2021
د. فاتح عبد السلام
18 يناير 2021
حسين الشيخ
18 يناير 2021
د. خالد رمضان
18 يناير 2021
محمد محمد علي
17 يناير 2021