الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

التنوع الثقافي.. ومصير الأمم

بعد محاولتي السفر إلى اسكتلندا، الأسبوع الماضي، قرَّرت القيام بزيارة اكتشافية إلى القسم الشرقي الأبعد من قارة أوروبا، والقريب من أوكرانيا وبيلاروسيا ورومانيا، التي تُعدّ إحدى آخر الدول التي انضمّت إلى الاتحاد الأوروبي.

والآن، وبعد 30 عاماً من سقوط نظام الستارة الحديدية الذي فرضته السلطات السوفياتية، وتنفيذ حكم الإعدام بالرئيس الروماني الأسبق نيكولاي شاوشيسكو وزوجته، فإن رومانيا ما تزال بلداً مهمَلاً إلى أبعد الحدود من جانب الدول الأوروبية الغربية، ولم يعد الأمر يتعلق بتبنِّيها سابقاً لأطروحات أيديولوجية معاكسة، وخاصة بعد أن التزمت بسياسة اقتصادية أكثر تحرراً من تلك السائدة في الديمقراطيات الغربية ذاتها، ولا حتى باللغة لأن الرومانيين ينطقون لغة لاتينية الأصل، ولا هي مسألة انتماء ديني لأن الغالبية العظمى من المواطنين الرومانيين ينتمون للكنيسة المسيحية الأورثوذكسية.

وتاريخ رومانيا يختلف كل الاختلاف عن تاريخ بقية دول القسم الغربي من قارة أوروبا، ولا نقع في هذه المنطقة على دول عريقة مبنية منذ زمن بعيد على أيادي السلالات الملكية الحاكمة، ولا على انتماءات وطنية واضحة المعالم، وكانت هذه المساحة الواسعة ذات التجمعات السكانية المنتشرة على السهول والهضاب الوعرة وتخوم الجبال المرتفعة، تُعد جزءاً من الإمبراطورية النمساوية - المجرية، ومنطقة عازلة تساعد على صدّ الهجمات الروسية والتركية.


وفي قلب البلد، تمتد مقاطعة «ترانسيلفانيا» التي انضمت للدولة الرومانية عام 1918 بعد انهيار الإمبراطورية النمساوية - المجرية في أعقاب الحرب العالمية الأولى.


وكان معظم سكانها من أصل ألماني، وسبق أن استوطنوها قبل 800 عام، وتمكَّنوا من تشكيل مجتمع مزدهر ظلَّ قائماً حتى نهاية عقد الثمانينيات، إلا أن الغالبية العظمى منهم فضَّلت مغادرة رومانيا وعادت للاستقرار في ألمانيا بعد توحيدها والتي كانت في أمس الحاجة لاستدراج العمالة الماهرة، ومن الجدير بالذكر أن رئيس رومانيا الحالي ذا الشعبية الواسعة «كلاوس يوهانيس» هو واحد من أفراد مجتمع الأقليات التي بقيت هناك.

رومانيا وطن لخليط من الأقوام والأعراق، وتضم جالية كبيرة العدد من المجريين وإثنيات أخرى مثل الصرب والبلغار والأوكرانيين، فضلاً عن أقوام لم تتمكن من إقامة دول خاصة بها، وهي أيضاً الموطن الرئيسي لبضعة ملايين من الغجر.

وغالباً ما يُنظر لهذا التنوع العرقي على أنه يُشكِّل عقبة، ويمثل قضية تحدٍّ معقدة بالنسبة للحكام، ولكنه يمثل أيضاً عنصراً للثراء وعاملاً للقوة، وهو على كل حال، من إرادة الله الذي جعل الناس شعوباً وقبائل مثلما ورد في القرآن الكريم.

وكثيراً ما تعرضت بعض الأقوام عبر التاريخ لعمليات التهجير القسري، وتذكرنا تقارير نشرها المركز الإسرائيلي «المؤرخون الجُدد»New Historians، أنه لم يكن يوجد عبر التاريخ شيء اسمه «الشعب اليهودي» الذي يزعم المتشدِّدون أن أفراده يشتركون في نوعية دمائهم النقية، وأن دولة إسرائيل تم إنشاؤها من خلال عملية تهجير واسعة النطاق لمجتمعات بأكملها والإقامة فوق أراضيها المغتصبة.