الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

انتفاضة طرابلس.. وخراب «الوفاق»

المظاهرات التي انطلقت في العاصمة الليبية طرابلس، الأحد الماضي، حملت في معلن شعاراتها تنديداً بتدهور الظروف المعيشية والفساد المستشري في البلاد، إلا أن التعامل القمعي مع أصوات المحتجين، وتواصل الاحتجاجات طيلة الأيام الأخيرة، كشفا أنها رفعت من سقف شعاراتها وأهدافها، من مجرد المُطالبة بتحسين الظروف المعيشية، إلى التهديد، بالعصيان المدني ضد حكومة فايز السراج التي اعتبرها الحراك السلمي في طرابلس وفي غيرها من المدن التي طالتها الاحتجاجات، «حكومة فاقدة للشرعية وعميلة للخارج».

التوصيف الشعبي لحكومة السراج أحرج الحكومة ورعاتها، لأنه لم يأتِ من جهة سياسيّة مقابلة، بل نبع من معايشة الناس لأوضاع البلاد منذ وصول السراج وصَحْبِه، إلى سدة الحكم عبر حكومة مدججة بميليشيات مسلحة تقضم من دور الدولة وكيانها.

لم تُقدّمْ حكومة السراج منذ تشكيلها على خلفية الاتفاق السياسي الليبي الموقّع في الصخيرات في 17 ديسمبر 2015، حلولاً للمشاغل الاقتصادية والاجتماعية والأمنية لليبيين، بقدر ما بحثت عن تثبيت وجودها في السلطة.


وبقدر ما واظبت في السنوات الماضية على تقديم جملة من الذرائع تردد لازمة الشرعية ومناهضة «الانقلاب» في الشرق، فإن شعار «الشرعية» لم يعد نافعاً في مواجهة جحافل الغاضبين في طرابلس وسواها من المدن الغاضبة.


شعار الشرعية، ورغم فقدانه الوجاهة السياسية منذ سنوات، أصبح غير مفيد في التعامل مع المظاهرات الشعبية الأخيرة، ولذلك واجهت حكومة السراج وميليشياتها المسيرات السلمية بالقمع والرصاص والاختطافات، فضلاً عن توجيه الاتهامات لدول عربية بإشعال الاحتجاجات.

مظاهرات طرابلس ليست مجرد احتجاج على تردي الظروف المعيشية، بل هي إدانة كاملة لأداء حكومة السراج، وهو أداء مترنح تتداخل فيه التبعية للمحور الخارجي التركي القطري، مع الولاء للجماعات الإخوانية، مع الاعتماد على سلاح الميليشيات بكل ما تعنيه الكلمة من خضوع لأمراء الحرب، ولا يمكن أن ينتج غير الأزمات العميقة التي لا يمكن أن تؤدي بدورها إلا إلى اشتعال الاحتجاجات، التي ستذهب مباشرة إلى عمق القضية ومنطلقها.

احتجاجات طرابلس أكدت أن حكومة السراج فاقدة للشرعيّة، وقدمت دليلاً على أن حكومة تتحالف مع الميليشيات المتطرفة وتفاخر بتبعيتها للخارج، لا تنتج غير الفساد والفقر وتردي الأمن وغياب السيولة، ولذلك كان الوعي الشعبي كثيفاً بالارتباط بين السبب السياسي (الحكومة) والنتائج الميدانية، المتمثلة في المظاهر التي أدت إلى اندلاع الاحتجاجات.

لقد لخص المتظاهرون في طرابلس الصلة بين أوضاعهم المتردية وأداء حكومة الوفاق في بيانهم الأخير بالقول إن «طرابلس بدون كهرباء وماء وسيولة، بينما المرتزق يتقاضى معاشه بالدولار».