الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

الجزائر.. والأمن الطاقوي

هناك عدة مصطلحات تُطلَق للتعبير عن الأمن القومي، منها: الأمن الغذائي، والأمن الطاقوي، والأمن الدوائي في ظل وباء كورونا، والأمن اللغوي مع هيمنة الإنجليزية، والأمن الفكري بعد صراع المذاهب، والحقيقة أن الأمن القومي وحدة لا تتجزأ، كل خلل في أمن ما يؤثر مباشرة عليه.

ومنذ الاستقلال، الجزائريون ينعمون بأمن واحد، هو الأمن الطاقوي، الذي يشكل أكثر من 90% من مداخيل البلاد من العملة الصعبة، حتى أغسطس 2020 حين خرج وزير الطاقة ينذرهم بأن لا أمن لهم بعد عام 2040.

وقد أصيب العارفون بالصدمة، رغم إدراكهم أن البترول والغاز ثروتان زائلتان، لكنهم لم يُعدوا العدَّة استعداداً لهذا الموعد المشؤوم، فالغذاء مستورد رغم الأراضي الزراعية الشاسعة، والدواء مستورد رغم المتخرجين سنوياً من الطب والصيدلة، ولا نتحدث عن الأسلحة التي وضعت الجيش الجزائري في المراتب الأولى عربياً وأفريقياً.

تصريح الوزير كان مُخيفاً لأنه ركز على الغاز الطبيعي، والجزائر دولة الغاز أكثر من البترول، حيث يبلغ احتياطها 2500 مليار مليار متر مكعب، وتنتج سنوياً 130 مليار متر مكعب، لكن 95% منه تستهلك داخلياً، فالجزائر من الدول القليلة التي تعرف نسبة مرتفعة من التغطية بغاز المدينة.

لكن هذا الوضع أثر على التصدير، حيث تراجع من 45 مليار متر مكعب عام 2019 إلى 22 مليار متر مكعب عام 2020، وبدءاً من عام 2025 سيتراجع أكثر مع منح الأولوية للسوق الداخلية، حيث سيراوح بين 26 و30 مليار متر مكعب بين 2025 و2030، ما يعني تراجعاً في المداخيل.

وسبب ذلك هو ضعف مردود الحقول الجديدة التي اكتشفت والتي تفوق 50 بئراً، وبؤس المنظومة القانونية التي تحفز الاستثمار الأجنبي، والمنافسة القوية من قطر وروسيا التي جعلت الجزائر تضطر إلى تخفيض الأسعار لزبائنها خاصة إيطاليا وإسبانيا للحفاظ على سوقها التقليدي.

وبمقدور الجزائر أن تصدر 52 مليار متر مكعب سنوياً إذا حسنت المنظومة القانونية وجلبت الاستثمار الأجنبي، ورغم أنها تحتل المرتبة الثالثة عالمياً في الغاز الصخري فإن استغلاله لا يزال متأثراً بالضغوط السياسية.

وعلينا أن نتصور السيناريو: كل العملة الصعبة تأتي من الغاز والنفط، الأول يستهلك محلياً والثاني سعره تراجع.. وعدد السكان يزداد بمليون نسمة سنويّاً.. لقد فشلت البلاد في استغلال النفط والغاز للتخلص من التبعية القاتلة لهما.. لكن لا تزال هناك فرص ضئيلة لا ينبغي أن تضيع.