الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الكُلفة الخفية.. والمنصة التشريعية الذكية

حديث مِلؤه الشجون، مقتبس من حوار مع مُحدثي، ذاك الذي أفنى سني عمره في إبداء الرأي القويم بمداد المعرفة القانونية الرصينة من خبرته وفكره المستنير، فإذا بتلك النصائح قد ذهبت سُدى، وتلك التوجيهات تبخرت، وهذه الأحلام تبددت، وأخرى ذهبت أدراج الرياح، ولم تجد لميدان التطبيق سبيلاً، وثالثة وُئدت قبل أن تولد، ورابعة تجمدت، وهكذا دواليك، وعالمنا العربي زاخر بتلك الحكايات المؤلمة ممن يملكون المعرفة القانونية والممارسات الواقعية مجتمعين.

يعتصرك الألم وأنت تنصت بأذنيك وتقرأ بعينك ملاحظات جوهرية على مشاريع قوانين أو لوائح أو قرارات أو مبادرات أو غيرها من منطلقات التطوير، التي تفتق عنها النورُ على عجل، ولم تحظ بالعناية والتأطير والحوكمة، فجاءت مبتورةً عن محيطها، منفلتةً من خيوطها، وما إن تنزل بساحة التطبيق، حتى تتكشف ثغراتها، وتستبين سوءاتها وتتضح عوراتها، وكان أولى لصانعها ألا يُطلق وثاقها إلا بعد الاستنارة بآراء ذوي الاختصاص.

البوْن شاسع بين مربع التنظير والتعجيل والجرأة على العلم والميدان، ومن يقف عنده ولا يتعداه، فارق كبير بين المخططين المتظاهرين بالتفعيل، وبين فكر المتخصصين أصحاب المنهجية العلمية في البناء والتأصيل والتأسيس والتقعيد.. فارق كبير بين من يأخذون بنواصي الخبرة وأصداء التجارب والممارسات العالمية الناجحة وأقوال العارفين من أهل القانون، وأصحاب العناد التقادُمي والتشبث اللامنطقي والإقصاء لكل من يأتي بإضافة عملية تحقق النفع العام وتتلمس غايات ومقاصد التشريع.


سؤال يقضُ مضاجعنا صباح مساء في مجتمعاتنا، ومسكوت عنه لسنوات: لماذا مخاصمة من يملكون المعرفة العملية الواقعية القانونية، واجتياز المتميزين من أصحاب الفكر القانوني المستنير، رغم ما يمكن أن يحققوه من قيمة مضافة لمشاريع القوانين والقرارات واللوائح التنظيمية والتنفيذية والمبادرات التطويرية؟


وهناك سؤال آخر: أليست الجائحة كفيلة بإعادة الحسابات لمواجهة التطبيقات العشوائية الانفعالية القائمة على الإصرار على الزخرفات والقشور، وتفادي الجذور وإغفال ضبط اللغة والمضمون، وعدم احترام التوقعات المشروعة للمخاطبين بالتشريع؟

وسؤال بصوت عالٍ: أما آن أن يكون للفكر العربي منصة ذكية إلكترونية تشاركية في مجال التشريعات لتوفير الجهد والوقت وتفعيل التبادل المعرفي العملي الذي يحقق القيمة المضافة، خاصة في خِضَمّ ما يشهده كوكبنا بعد الجائحة من التحول الرقمي وتوظيف التطبيقات الذكية.. هذا سؤالي، فهل ثَمَّ مجيب؟ تلك جميعها أسئلة مشروعة عصية على دثرها، ودفنها في الرمال.