الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

ماذا كان سيحدث.. لو لم يحدث؟

حركة التاريخ لا تعرف العبثية ولا الصدفة، ولا تحدث فيها ولا منها حوادث إلا ولها أسباب متراكمة عبر زمن طويل، أدركها الإنسان والمجتمع أو لم يدركاها، وكذلك لها نتائج على المدى الزمني البعيد.. التاريخ حركة دقيقة جداً، وصيرورة متفاعلة بصورة أكثر انضباطاً من تفاعلات الكيمياء في المختبرات، التاريخ لا يجامل أحداً، ولا يظلم أحداً.

إذا أخذنا مثالاً من التاريخ فسنجد أن الغزو المغولي، وتدمير الدولة العباسية، وسقوط بغداد الأول كارثة تاريخية من جانب، ولكنه تحول بعد فترة قصيرة إلى تجديد كامل لدماء الأمة الإسلامية من خلال دخول شعوب الترك والمغول في الإسلام، وانتشارهم من الهند إلى حدود موسكو، ومن الصين إلى الأناضول، وظهرت بعد ذلك دول، ومجتمعات إسلامية من شمال غرب الصين إلى الأناضول.

وكذلك وبنفي المنطق كان فشل الحملات الصليبية على الشرق كارثة على ملوك أوروبا، ولكن هذا كان بداية النهضة الأوروبية من خلال نقل أعظم منتجات الحضارة الإسلامية إلى القارة التي تعيش في ظلام دامس، فظهرت الجامعات، وظهرت الأوقاف، وتغير نمط العمارة، وظهرت كل إبداعات الحضارة في اللباس والمعيشة والسكن، وبدأ عصر الأنوار من خلال ترجمة ما أبدعه المسلمون، وما نقلوه عن الإغريق.


أما على مستوى العالم العربي المعاصر فلو لم تحدث هذه الكوارث التي تعيشها الشعوب العربية كنا سنظل نعامل إيران وتركيا على أنهما دول إسلامية داعمة لبعض العرب ومعادية للبعض، والآن ظهر جلياً أنهما دولتان استعماريتان تريدان إرجاع التاريخ إلى الوراء وتحويل العرب إلى غساسنة ومناذرة.


وعلى الجانب الآخر، فإن هذه الهجرات الضخمة للنازحين واللاجئين إلى أوروبا؛ يجب أن ننظر إليها في ضوء المستقبل الديموغرافي للعالم، وكيف أن تاريخ التوزيع الديموغرافي للبشر كانت تصنعه الحروب، فلولا الحرب العالمية الثانية لظلت أمريكا بلداً لرعاة البقر والفلاحين، وما أحدث فيها هذه النقلة النوعية الهائلة هو هجرة الألمان إلى أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية، والآن يشهد العالم حركات هجرة مماثلة ستعيد تكوين ديموغرافية أوروبا.

والخلاصة أن حوادث الزمان وحركة التاريخ، وما نشهده من أزمات وكوارث لها وجوه متعددة، والبراعة أن نحولها من الوجه السلبي، والمعني المثبط الذي يدفعنا لليأس، إلى الوجه الإيجابي، والمعني الدافع الذي يقودنا للعمل والإنجاز، وأن أسوأ الحوادث وأكثرها سلبية هو طاقة أمل للمستقبل.. «لأن الله لا يفعل إلا خيراً» كما كان يردد دائماً أستاذي الدكتور عز الدين فودة رحمة الله عليه.