الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الإرهاب الفكري

يعرف الإرهاب الفكري بأنه إقصاء الآخر وسلبه حقه في التعبير عن ذاته وأفكاره، عن طريق ممارسة الضغط الشعبي عليه من أجل إسكاته كصوت آخر، والمحافظة على الاتجاه السائد الذي يخدم مصالح فئة معينة في ذلك المجتمع، وهو ليس حصراً على مجتمعات بذاتها، إذ ينشط الإرهاب الفكري في جميع المجتمعات، ولكن يختلف مستواه باختلاف سقف الحريات ومدى سهولة التعبير عن الرأي فيها.

ومن الأساليب المضللة التي ينهجها أصحاب الإرهاب الفكري أنهم يمارسونه تحت عنوان «الاختلاف»، وهذا تضليل واضح، إذ إن الاختلاف يكون عن طريق مقارعة الحجة بالحجة والرد على الأفكار، بعيداً عن الشخصنة والشحن العاطفي عن طريق اللغة الإنشائية، التي تخاطب العاطفة، ومحرفة مسار النقاش عن أصل الفكرة المُختلف عليها، مما يفضي إلى تعبئة الجماهير عاطفياً، وتحويلها إلى وقود للضغط على صاحب الفكرة.

تتلخص أهداف الإرهاب الفكري في المحافظة على الاتجاه السائد من خلال رفض الأفكار المغايرة لمصلحة الفئة المستفيدة من المحافظة عليه، ومن الطبيعي أن صاحب النفوذ القائم على توجهات معينة يجنح للمحافظة على أسباب قوته، ولن يقبل أن يوضع نفوذه في تجربة قابلة للخسارة في حال لم يصمد نفوذه، واقتنع الناس بالتوجه الجديد/ المغاير.

أما بالنسبة لأدوات الإرهاب الفكري فأهمها: التعبئة العاطفية البعيدة عن الحوار العقلاني القائم على الحجج والبراهين، والتعبئة الاجتماعية (Social Mobilization) التي تقوم على استغلال وسائل التواصل الاجتماعي من خلال نقل المعركة من الفضاء العام (مثل: الصحافة أو التلفزيون أو المواقع الإخبارية) إلى فضاء خاص (مثل: مجموعات الواتساب أو المجالس الخاصة)، ومن ثَم إرجاعها إلى الفضاء العام مرة أخرى بعد تعبئة أكبر قدر ممكن من الأشخاص الذين أصبحوا جاهزين لخوض المعركة الكلامية بعد حرف الموضوع عن مساره.

ويتم تحريف الموضوع عن مساره بطرق تكاد تكون متشابهة في معظم هجمات الإرهاب الفكري، وعلى رأسها: تغيير سياق الطرح بتضخيم نقاط ثانوية لا تغير كثيراً في جوهر الفكر الأساسية، وتحريك العواطف تجاهها بهدف حشد الجماهير من خلال دغدغة مشاعرهم.

وبعد أن تتم عملية التحشيد في الفضاء الخاص، تعود الجماهير المحشّدة لتمارس التنمر على الشخص/ التيار المستهدف بشكل مكثف وسريع، وذلك باعتبار أن نفَس المحشّدين قصير، وتصرفاتهم غالباً ما تتسم بالانفعالية وليس المبدئية.

بالطبع فإن هدف هذه الممارسة ليس الدفاع عن القضية المطروحة، ولكنها عملية ترهيب موجهة ضد الشخص/ التيار المغاير ليعيد حساباته في المرات المقبلة، ويفكر مراراً وتكراراً قبل أن يصرّح بما لديه من باب المراعاة خشيةً وليس قناعةً!

وبناء عليه، فإن الإرهاب الفكري الذي يقوم على أدوات اجتماعية وتقليدية وإعلامية حديثة، يهدف إلى فرض سلطة رقابة ذاتية متطرفة تجعل الأفكار حبيسة الدماغ، وتحافظ على الامتيازات الاجتماعية لأصحاب السطوة الاجتماعية الذين يجهدون لاحتكار المجال العام رافضين أي مزاحمة من غيرهم.