الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

فوتشي وترامب.. العلم والسياسة

تعرف العالم على الدكتور أنتوني فوتشي كمتحدث طبي رسمي للبيت الأبيض، ضمن الفريق الإداري للرئيس دونالد ترامب في التصدي لوباء كورونا، وأسهم أسلوب فوتشي العلمي السلس والمقنع، بالإضافة إلى شخصيته الجذابة، في إقناع كثير من متابعيه بالالتزام بالتعليمات الخاصة بالحد من انتشار وباء كوفيدـ19، ثم زادت شهرته بعد أن صعد خلافه مع الرئيس ترامب بخصوص فيروس كورونا إلى العلن، وحين أعرب الرئيس الأمريكي أن فوتشي أكثر قبولاً منه عند الشعب الأمريكي.

بدأ الخلاف بين ترامب وفوتشي على التعليمات الجزئية الخاصة بمكافحة فيروس كورونا، أهمها: اعتراض فوتشي على عقار هيدروكسي الخاص بالملاريا، الذي أعلن ترامب أنه يتناوله للوقاية من الفيروس، وتصاعد الخلاف مع تصريح فوتشي أن الولايات المتحدة لم تتخذ تدابير الإغلاق الاقتصادي الكافية للحد من تفشي وباء كورونا كما فعلت أوروبا، مما حدا بالرئيس ترامب للتغريد ضد فوتشي واتهامه بأنه يضلل الشعب الأمريكي، وأن حالة تفشي الوباء في أمريكا تحت السيطرة، وأن أمريكا الدولة الأعلى عالمياً في معدل إجراء فحصوات الكشف عن الوباء، لذلك تمكنت من اكتشاف عدد حالات أكبر من غيرها، ثم بيّن الرئيس ترامب أن خلافه مع فوتشي هو خلاف صحي، لأن فوتشي يعمل ضمن فريقه، ولكن الخلاف أخذ منحى آخر، لأن فوتشي يتمتع بشعبية أكبر من شعبية ترامب.

السيرة الذاتية والمهنية للدكتور فوتشي تشير إلى التمكن المهني والعلمي الذي يمتلكه، وإلى تاريخه الوظيفي الطويل في مجال الأمراض المعدية، ما يجعل خوض جدال معه أمراً عسيراً، غير أن الخلاف بين فوتشي وترامب يمكن قراءته بأنه ليس خلافاً علمياً خالصاً، بل هو خلاف على السلطة بين السياسي والعالم، فالسياسي اعتاد أن يكون مركز التخطيط ورسم السياسات واتخاذ القرار، ولا يشاركه أحد إلا من باب الاستشارة، وإذا بفيروس كورونا يعيد ترتيب أماكن الجميع، فيصبح العالم هو مركز رسم السياسيات واتخاذ القرار، الأمر الذي يتصادم مع المصالح الاقتصادية للدولة، فأصبحت الدول أمام خيارين، إما الحفاظ على صحة الشعوب وحياتهم، وإما حماية الاقتصاد الوطني.


الخيار الأول يعطي الثقل للعلماء، والثاني يعطيه للسياسيين، ومن الصعب على العالم ضبط التوازنات البرغماتية لرجل السياسة، لأنها لن تستقيم مع المنهج العلمي، كما أن السياسي يرى في الاقتصاد المعنى الحقيقي لحياة المواطنين، لذلك فحين يتمسك كل من السياسي والعالِم بقواعد حرفته، فلا بد أن يختلفا، وأن يخرج خلافهما إلى العلن.