السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

«كورونا».. والأمن الفكري

رغم عودة الملايين من الطلاب في مختلف أرجاء العالم إلى الفصول الدراسية بنماذج متعددة ومختلفة، إلا أنه بات من المؤكد أن المدارس والجامعات لن تعود إلى سابق عهدها، حتى بعد التوصل إلى لقاح لفيروس كورونا المستجد، فالتعليم الإلكتروني أصبح واقعاً لا يمكن التراجع عنه لمجرد مرور عاصفة الوباء، إذ وجدت العديد من المؤسسات الأكاديمية في هذا النوع من التعليم فرصة استثمارية سانحة لتقليل الكلف التشغيلية مقارنة بالتعليم التقليدي.

قبل تفشي الوباء شكّل المحتوى الهائل على الشبكة العنكبوتية أحد أبرز التحديات الأمنية للعديد من دول العالم، إذ استغلت التنظيمات الراديكالية المتطرفة الوسائل التكنولوجية للنفاذ إلى المجتمعات لنشر أفكارها ومعتقداتها، ورغم نجاحها في ذلك، إلا أن تواجد الطلاب في الحرم الجامعي أو المدرسي، أسهم بشكل كبير في التصدي لتأثير هذه الجماعات، ولكن التغيرات الحالية تمثل تهديداً حقيقياً لقدرة المؤسسات الأكاديمية على مواصلة هذا الدور، نظراً لكون الطالب أصبح مندمجاً بشكل كلي بالشبكة، سواء للتعليم والمعرفة أو التسلية.

توجه مؤسسات أكاديمية عديدة إلى اعتماد التعليم عن بُعد بشكل دائم، يعزز المخاوف الأمنية من عودة الجماعات المتطرفة إلى التسلل لأفكار الشباب والتأثير السلبي في توجهاتهم، إذ برغم الفوائد الكبيرة للتعليم الإلكتروني إلا أنه يُسقط مفهوم التربية والتأثير في السلوك والفكر الشبابي، ليصبح الطالب ينزع إلى العزلة والعيش ضمن فضاءات المحتوى المتدفق من مختلف الاتجاهات.


لسنوات طويلة سابقة عملت التنظيمات الإرهابية على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والمدونات لنشر أفكارها، لتغزو بذلك مختلف دول العالم، حتى وصلنا إلى قيام دولة إرهابية تضم خليطاً عجيباً من مختلف الجنسيات والثقافات واللغات، وكل هذا حدث في غفلة من العالم، ولا أحد يعرف كيف تفكر هذه الجماعات حالياً، فرغم خفوت نشاطها إلا أن التجربة علمتنا أن هذه التنظيمات تختبئ لفترة لتعود أكثر شراسة وتطرفاً.


باختصار على العالم عدم التركيز فقط على الآثار الصحية والاقتصادية لتفشي كوفيد-19، والتنبه للتأثير المتعلق بالأمن الفكري، وعدم الانجرار التام وراء التعليم عن بُعد والتغاضي عن أهمية الدور التربوي والسلوكي، والعمل على إيجاد صيغة توزان بين التعليم التقليدي والإلكتروني، بحيث لا نلغي الدور المهم للمؤسسات الأكاديمية، فمهمتها لا تقف عند تزويد الطلاب بالمعرفة بل تتعدى ذلك لبناء الشخصية المستقبلية للطلاب.