الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

الحرب خدعة والتفسير التآمري بدعة

التآمر من حقوق الدول وليس سبة أو تهمة أو رذيلة، بل إن التآمر مرخص في الإسلام، فقد اقترح نعيم بن مسعود، رضي الله عنه، في واقعة الخندق أن يتولى الوقيعة بين مشركي مكة ويهود المدينة، فقال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «افعل يا نعيم فالحرب خدعة».

العالم كله الآن في حالة حرب، وموقع كل دولة من جملة المؤامرة والتآمر، إما فاعلاً أو مفعولاً به، ونجاح المؤامرة غباء المفعول به وليس ذكاء الفاعل، وفي كل دولة جهاز رسمي للتآمر هو جهاز الاستخبارات أو الأمن القومي أو ما شئت من الأسماء، والتفسير التآمري للأحداث صار أسطوانة عربية مشروخة وصار كل إخفاق أو فشل ينسب للمؤامرة والمخطط حتى أصبح الأمر مجرد فانتازيا عربية.

فحتى على مستوى الأفراد وزملاء العمل هناك دائماً تفسير تآمري حاضر دوماً، ولكن بأسماء أخرى، مثل الوشاية عند المدير أو رئيس العمل وتصيد الأخطاء وكما يقول المصريون (الزمبة أو الإسفين أو المهموز)، وكلها تفسيرات وهمية للإخفاق والفشل، مثل أن يتم إنهاء خدمة شخص أو الخصم له فيقال إن أحدهم وشى به أو أوقعه في فخ ما.


وكل هذا جعل المناخ العربي العام والخاص ملوثاً بالشكوك والمخاوف والهلاوس، ولا أحد يدين نفسه بالتقصير أو الإهمال أو فقدان الكفاءة، وخلق هذا المناخ تعصباً للرأي والمواقف والفرق الرياضية التي يتآمر عليها حكام كرة القدم أو الاتحادات الكروية، ولا أحد يعترف بالتقصير والفشل، لكنه دوماً ضحية مؤامرة لا وجود لها إلا في خياله المريض.


وليس بمقدور أي دولة أن تشكو الأخرى إلى الأمم المتحدة بتهمة التآمر عليها أو تجنيد جواسيس ضدها، فهذه شكوى مضحكة وسخيفة، لأن الأمم المتحدة سترد بكلمة واحدة هي «الميدان يا حميدان»، وستدعو الدولة الشاكية إلى التآمر أو المعاملة بالمثل، والدولة التي تضبط جواسيس على أرضها لحساب دولة أخرى تحاكم الجواسيس ولا تحاكم الدولة التي جنَّدتهم أو تقطع علاقاتها بها، فالتآمر أمر مشروع والذنب ذنب المفعول به لا ذنب الفاعل، والتفسير التآمري حجة العاجز والفاشل، فالحرب خدعة والتفسير التآمري بدعة!