الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

علمانية.. حمدوك والحلو

ما يدفع باتجاه رفع راية العلمانية اليوم في السودان أنها تشكل سبيلًا لوحدة المجتمع والحفاظ على الانتماءات الوفيرة الأخرى التي تثريها، بالإضافة إلى أنها تفتح المجال السياسي لتداول نضال عقلاني عام، فالسودان لا زال يصارع مخاض العبور إلى العصر الحديث بترسيخ ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان في البيئة الفكرية والسياسية، وفي هذا الإطار نجد أن فكرة الدولة القومية الحديثة بمفاهيم المواطنة المتساوية لا تزال تواجه مشاكل كبيرة في هذه الدولة كما نشهد في المرحلة الانتقالية بعد ثورة الشباب.

فإما أن يتحرك رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وقائد الحركة الشعبية لتحرير السودان عبد العزيز الحلو نحو رفع راية العلمانية، التي لا ينبغي اعتبارها تحديًا أوتحجيمًا للدين وإنكارًا للهوية، وغير ذلك من العبارات التي ظاهرها حرص على الدين وباطنها حرص على مكاسب قائمة أو مأمولة، لمكاسب فردية أو حزبية أو فئوية ولو على حساب شرذمة الانتماءات الجامعة المشتركة، مع تحفظنا على آلية التنفيذ المنفردة هذه.

مما سبق وبقليل من التفكير، نجد أن العلمانية هي تحرير المستوى السياسي من الدين، ليس بما هو تراث ثقافي وإطار معرفي، بل بما هو موضوع مقدس مطلق، وهذا لا يعني أن العلمانية تحارب الدين أو المقدسات كما في أذهان الجاهلين أو الذين لديهم أهداف نفعية؛ لأن تحرير السياسي من الدين بالمعنى السابق لا يشمل تقييد حرية العبادة والمعتقدات إطلاقاً، ولا انتزاع الأمة من تاريخها وثقافتها وحضارتها وهويتها.


وفي السياق السوداني في هذا الاتجاه، نجد أن بعض فئات السودانيين الذين لديهم معتقدات دينية غير الإسلام قد واجهوا الكثير من عدم المساواة من نظام المؤتمر الوطني البائد، ومن المفيد للأطراف السودانية أن تكون متواضعة، وأن تعترف ببعضها البعض وتوفر إطارًا للحل من خلال التنازلات، للخروج من الأزمة الحالية التي يمر بها البلد مع التأكيد على أنه لا يوجد تيار يمتلك كل شيء من المعرفة والأخلاق والحقيقة وكل الحلول، وبالتالي لا يحق لأي تيار أن يطالب بكل السلطة.


وعلى الرغم من الحراك الإيجابي لعبد الله حمدوك وعبد العزيز الحلو في موضوع العلمانية من أجل عملية السلام، إلا أنه كان لا بد من إجراء الكثير من التحضير تنقية مفهوم العلمانية، في مجتمع لا زال معظمه يفهم أنها ضد الأديان، ويبقى السؤال حول حدود وطبيعة التنازلات، فهل هي مؤقتة وتكتيكية؟، وهل تفرضها قيود الواقع السياسي أم أنها تنازلات ناتجة عن تطور فكري حاسم للجميع؟