الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

العلماء والعوام.. من يفسد من؟

مع تغير الزمان وتطورات التكنولوجيا تشابكت علاقة العالم بالعامي وتعقدت، واختل توازنها لصالح العامي، وأصبح العالم دون أن يدري مرتهناً للعوام، يخافهم أكثر مما يخافوه، ويتبع توجهاتهم أكثر مما يتبعون حكمته، ويخشى أن يغضبهم أكثر مما يخشون فتاواه وتقواه وورعه، تغير الزمان خلق علاقة جديدة بين العالم والعامي.

هناك سُنةٌ تاريخية، وقاعدة اجتماعية، وحكمة توارثتها أجيال الأمة تقول: «إذا دخل العالم في الشبهات دخل العامي في الحرام، وإذا دخل العالم في الحرام كفر العامي إن استحل»، هذه القاعدة، تقول لنا: أن علاقة العالمي بالعامي تحكمها قوانين المتواليات الهندسية وليست الحسابية، أي قوانين المضاعفات الرقمية، بحيث إذا فعل العالم خطأً صغيراً قلَّده العامِّي وفعل كارثة كبرى.

مع ظهور الدعاة النجوم والعلماء النجوم، الذين تفرد لهم مساحات خاصة في الفضائيات، ظهر نمط جديد من التدين يركز على الشكل أكثر من الجوهر، لان أولئك العلماء خصوصا كبيرهم ملياردير الدوحة، يقولون ما لا يفعلون، لم يشهد تاريخهم إلا بأنهم يأمرون العوام بما لا يلزمون به أنفسهم، يدعون الشباب إلى الجهاد وإلى تفجير أنفسهم، وهم يحافظون على أبنائهم في قمقم، فتجد أبناءهم يعيشون حياة الطبقة المترفة التي تتماهى مع الفساد الاجتماعي.


ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي تحول الدعاة والوعاظ والعلماء إلى نجوم كبار، يتنافسون في أرقام المتابعين لهم تنافس المراهقين، ويحرصون على زيادة أعداد المتابعين لأنها تؤكد الزعامة، وتحدد الأوزان النسبية لتجار الدين، وتحكم علاقاتهم.


هذه الحالة جعلت العالم في حالة احتياج شديد للعامي الذي يتابعه، ويمثل رقماً مهما في وجوده، لذلك أصبح العالم يبذل قصارى جهده لإرضاء المتابع العامي، وعدم إغضابه، والحفاظ على وجوده على صفحته في وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا يقود العالم إلى نفاق العامي، وعدم قول أي شيء لا يرضي العامي، بل غالبا يقول: ما يتوقع العامي، وهنا أصبح العامي يقود العالم ويتحكم في أرائه، فتجده يتَّخذ المواقف التي تلحق أشد الضَّرر بالمسلمين ليرضى عنه العوام.

وخلاصة القول: نستطيع الوصول إلى نتيجة مؤداها: أن العوام في هذا العصر قد استطاعوا إفساد العلماء بدرجة أكبر من قدرة العلماء على إصلاحهم، وأن العلماء قد خاضوا في الشبهات بما دفع جماهير المسلمين إلى السباحة في الحرام، وأن كثيرا من علماء ووعاظ الصناعة الفضائية الدينية قد دفعوا الشباب إلى الإلحاد بسبب سوء سمعتهم، وإغراقهم في الدنيا وملذاتها، خصوصا الملذات السياسيَّة.