الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

ليس من الكياسة خلط الدين بالسياسة

منتهى التناقض ما يفعله العرب، فهم دائماً يلجؤون إلى الدين في تبرير مواقفهم السياسة وعلاقاتهم مع الآخر الأجنبي، ولم أرهم يوماً يلجؤون إلى الدين في حل صراعاتهم معاً، وحقن دمائهم والتصالح باسم الدين الواحد، الذي يأمرهم بألا يسفكوا دماءهم ويقطعوا أرحامهم.

الدين حاضر في تبرير العداء أو التقارب مع الآخر الأجنبي، وغائب تماماً في توصيف الصراعات العربية ـ العربية، وكأن الدين عند العرب مجرد مطية يركبونها إلى الجهة التي يريدون أو الجهة التي لا يريدون، وتبرير السياسة المتقلبة والمتغيرة بالدين ومواقف الرسول صلى الله عليه وسلم، اعتداء صارخ على الدين.

فالدول تبني علاقاتها أو تقطعها طبقاً لاعتبارات مصالحية أو رؤية سياسية لا علاقة لها بالدين وثوابته وقدسيته، وإلا ما أبرم المسلمون معاهدات تصالح مع قوى أجنبية حاربوها أو حتى مع المشركين في مكة.


وإن محاولات تبرير إقامة أو عدم إقامة علاقات مع إسرائيل مثلاً بالدين، وخلط ما لا يختلط ومزج ما لا يمتزج، محاولة عبثية وانتقائية، أي نأخذ من الدين ما يوافق رؤيتنا بإقامة العلاقات أو ما يوافق رؤيتنا في عدم إقامة العلاقات، وبهذا العبث يبدو الدين متناقضاً مع نفسه، وهو أمر غير صحيح بالمرة، ولكنه تناقض أهواء توظف الدين لخدمة عبثها، وهذا بالضبط معنى الآية الكريمة: «أفرأيت من اتَّخذ إلهه هواه..» سورة الجاثية - 23، وهو يشبه جعل الدين قراطيس نخفي بعضها ونبدي بعضها الآخر، كما يشبه موقف المشركين من النسيء، يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً وفق أهوائهم ومصالحهم.


لقد بالغ العرب كثيراً في اللعب بالدين وجعله عربة يجرها حصان الهوى، فإباحة ما يحبون أو تحريم ما لا يهوون يجعلهم يلعبون بالآيات والأحاديث، وتلك لعبة سخيفة وخطيرة أفقدت العرب الصدق، وجعلت الدين عندهم أفيوناً ومخدرات للإباحة أو التحريم، فالأمر مباح هنا ومحرم هناك، وصارت الأمور كلها كما يقول المصريون: « سمك لبن تمر هندي».

العلاقات مع الدول يقدرها ذوو الشأن بقدرها، والذين حرموا إقامة العلاقات مع إسرائيل مثلاً، لماذا لم يحرموا العلاقات السيئة والصراعات الدامية بين العرب؟ المواقف السياسية لا علاقة لها بالدين إلا إذا حرمت حلالاً وأباحت محرماً، وما عدا ذلك، فليس من الكياسة خلط الدين بالسياسة!