الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

المجتمع الليبي.. حوار السياسيين

ينبغي فهم تزامن لقاء المغرب ولقاء جنيف حول الأزمة السياسية في ليبيا، كسياق دبلوماسي لبلورة حوار تكاملي بإيقاعين جغرافيين مختلفين ولكن بهدف سياسي مشترك، أساسه فكّ الأزمة وتجنيب المنطقة المغربية انهياراً أمنيّاً قد تتحكم فيه أجندات خارجية معلومة.

لا بد من الإشارة إلى أن لقاء جنيف قد تم باقتراح من بعثة الأمم المتحدة، واهتم بما هو عام ومبدئي لتقريب وجهات النظر حول ما ينبغي الالتزام به في المستقبل القريب، إذ تم بسط جملة من الخيارات من أجل بلوغ توافق شامل كإجماع الأطراف الليبية على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وفق قاعدة دستورية متفق عليها، زيادة على إعادة تشكيل المجلس الرئاسي وتكوين حكومة وحدة وطنية تشاركية.

من جهة أخرى، يعتبر لقاء بوزنيقة في المغرب بلورة عملية للمبادئ الكبرى المتفق عليها في سويسرا، فإذا كان الخلاف سابقاً يدور حول المناصب السيادية، فإن لقاء المغرب حسب البيان الختامي قد حل هذا الإشكال عبر «اتفاق شامل حول معايير تولي المناصب السيادية بهدف توحيدها»، ومواصلة الحوار من أجل استكمال الإجراءات التي تضمن إعمال هذا الاتفاق.


يلاحظ أن مقاربة المغرب في التعاطي مع الملف الليبي ليست سياسية فقط، وإنما جيوستراتيجية تقوم على معرفة حقيقية بخلفيات الصراع والوعي بالمآلات التي قد تصل إليها المنطقة إذا تعسّر الحوار، وهذا ما جعله منذ بداية الأزمة الليبية مروراً باحتضانه للحوار السياسي بالصخيرات، ينتهض بمسؤولية الفاعل السياسي والدبلوماسي بالمنطقة، كما جاء معناه في تصريح الأمين العام للأمم المتحدة.


الظاهر أن هناك سهواً في مضمون هذين الحوارين في إشراك الحساسيات الاجتماعية التي تمثل عمق المجتمع، إذ يعلّمنا التاريخ أن محاولة حل المسألة السياسية معزولة عن أساسها الاجتماعي لن تنجح أبداً في خلق مصالحة شاملة وناجعة بين السياسة والمجتمع، ولنا في كثير من التجارب التي تشبه الحالة الليبية مثال على ذلك.

لأن الأزمة لن تحل أبداً بإقرار دستور جديد ولا بانتخابات برلمانية ورئاسية، وإنما بخلق الثقة في السياسة والدولة من طرف الفرد الذي لم يعد يهمه ما أسفرت عنه هذه اللقاءات، فهمّه هو ترفّع السياسي وصاحب السلطة عن نرجسيته أو تنحيه عن الحكم لأنه أوصل ليبيا إلى الحضيض وجعلها على حافة التفتت، لهذا نخشى أن تكون تسوية الخلاف حول المناصب السيادية ستدخل في منطق المحاصصة الريعية بين أقاليم ليبيا الثلاثة، ينتفع منها السياسي فقط على حساب استواء المجتمع الليبي وترسيخ دولة وطنية مُوحّدة، ما سيمهّد لانفلات اجتماعي مرتقب لا تنفع معه التسويات السياسية بين الأطراف المتناحرة.

تنطلق دواعي هذه الخشية من توسّع دائرة الإحتجاجات الشعبية، التي غطّت مدن شرق ليبيا، ومنها مدينتا طبرق والبيضاء، فضلاً عن شحات وبنغازي، وهناك احتمال كبير بانتشار هذه الاحتجاجات في كل ليبيا، لأن التنديد بفساد الطبقة السياسية والحاكمة بات صوتاً جامعاً لكل الليبيين.