الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

حريق «ليسبوس».. ما وراءه؟

حدث محزن بحق ذلك الحريق الذي التهم مخيم «موريا» للاجئين في جزيرة «ليسبوس» اليونانية، ويحمل في طيّاته مؤشراً «جغرافياً سياسياً» مثيراً للقلق، ويبدو وكأن أوروبا التي تُعد الهدف النهائي لهؤلاء اللاجئين، أصبحت تشعر بالقلق والإحراج من مثل هذه الأخبار، التي تحتل واجهات الصحف ووسائل الإعلام، إلا أن القلق الأساسي للقادة الأوروبيين يتركز في الوقت الراهن على البحث عن أفضل الأساليب لإعادة تشغيل الآلة الاقتصادية التي تعرضت لضرر كبير بسبب «كوفيد-19».

لنتذكر، أن الرخاء الاقتصادي والمواقف الإنسانية يمثلان معاً وجهين لعملة واحدة، وهما اللذان يحددان طبيعة ومستقبل منطقة ما، وتكمن الأحداث «الجيوسياسية» في كل مكان من العالم وراء الظواهر الدرامية البشرية، حتى لو كان الأمر يتعلق بحرائق الغابات أو بغرق المهاجرين، ويكون لهذه الأحداث تأثيرها الكبير في مستقبلنا بطرق متعددة، وهي تستحق منا التعامل معها بذكاء بالغ وبنظرة بعيدة المدى.

ثمّة أعداد كبيرة من ضحايا حريق «ليسبوس» هم من اللاجئين السوريين والأفغان وآخرين غيرهم، مثلما هي الحال في ليبيا التي تتدفق إليها حشود الشبان الأفارقة الذين يحاولون الهرب من قارتهم المنكوبة والمحطمة، وهذا يوحي ويؤكد أن تسوية هذه الأحداث الراهنة والوصول بها إلى حلول مؤقتة لن توقف التدفق المتواصل للمهاجرين الجدد ليحلوا محل سابقيهم، وسوف تشعر تركيا بالسعادة البالغة لفتح بوابات تدفق المهاجرين إلى أوروبا من أجل إضعافها.


لقد بات من الواضح أنه ما من حل فعّال لهذه المشكلات المعقدة إلا بالتوصل لتسوية مستدامة وعادلة للأسباب الحقيقية التي تدفع الناس للهجرة، وليس هناك شك بأن هذا الهدف لن يتحقق عن طريق الجهود التي تبذلها روسيا في دمشق، ولا عن طريق المفاوضات المتعثرة التي تقودها الولايات المتحدة مع تنظيم طالبان في الدوحة، وليس يبدو أن لتلك المبادرات التي يطلع عليها المجتمع الدولي أو الاتحاد الأوروبي بين الحين والآخر أي تأثير إيجابي في مهمة تحقيق السلام والاستقرار في سوريا وأفغانستان اللتين مزقتهما الحرب، وهذا يحملني على تذكّر زيارتي إلى بغداد في شهر نوفمبر من عام 2000 عندما كان العراق يعاني من تبعات تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 986 المعروف باسم «النفط مقابل الغذاء»، وكانت مهمتي تهدف لإقناع الحكومة العراقية على إعادة فتح عيادة الأطفال في مدينة الصدر بعد أن عرضت منظمة طبية غير حكومية فرنسية التدخل لتحقيق هذا الهدف، وكان من الواضح أن الشعب العراقي هو الضحية الوحيدة لتلك العقوبات المفروضة على العراق، بينما كانت بمثابة هدية السماء لأبناء صدام حسين والمتواطئين معهم.


لنتذكر أيضاً أن رفض الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين التدخل لدعم التغيير الديمقراطي في سوريا عام 2011 هو الذي فتح الطريق أمام روسيا ثم تركيا للتدخل القوي فيها.

لقد كان السياسيون والعسكريون والدبلوماسيون يفتقرون لرؤية بعيدة النظر لعواقب عجزهم عن اتخاذ القرارات السليمة.