الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

قناة «الجزيرة الرسمية».. وأسئلة المستقبل

لعبت قناة الجزيرة القطرية منذ تأسيسها في نوفمبر 1996 دور الشبكة العربية غير الرسمية، التي أصبحت في نهاية المطاف واحدة من كبرى المؤسسات الإخبارية العالمية.

انطلقت القناة بعد عام من الانقلاب الأبيض الذي قام به حمد بن خليفة آل ثاني، الذي أطاح بوالده خليفة بن حمد، و خلال فترة حكمه ( 1995-2013)، أجرى حمد بن خليفة العديد من التغييرات، التي أدخلت الدولة الصغيرة في موقع أكثر تعمقاً في السياسة الدولية، وكان للجزيرة دور فعال في تعميق ذلك الدور.

في فترة ما قبل الربيع العربي، اتبعت الجزيرة استراتيجية تجنب استفزاز منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، والتي تتضمن تجنب التصريح بتفضيل قطر على جيرانها، مع وجود بعض الاستثناءات التي تلوّح بإمكانية القناة بالقيام بما يزعج المنظومة الخليجية.

وثمة عدة شواهد من التوترات التي سببتها بعض برامج الجزيرة بين قطر من جهة والكويت والسعودية من جهة مقابلة، فعلى سبيل المثال، على هامش قمة دول مجلس التعاون الخليجي المنعقدة في عمان في ديسمبر 2001، أبلغ الملك عبدالله، عندما كان ولياً للعهد، أمير قطر السابق استياءه الشديد من بعض ما تبثه الجزيرة حول بلاده.

وخلال سنوات عملها، أظهرت قناة الجزيرة تحيّزها لجماعة الإخوان المسلمين من خلال استضافة شخصياتهم في العديد من البرامج، وتوظيف المراسلين ومقدمي البرامج من ذوي الخلفية الإخوانية، بعضهم يشغل الآن مناصب إدارية عليا في القناة، وخير مثال على ذلك يوسف القرضاوي، الداعية المصري، الذي يعيش في قطر، والذي أصبح بفضل ترويج قناة الجزيرة أحد الشخصيات الإسلامية المعروفة في جميع أنحاء العالم.

كان القرضاوي الضيف الأساسي للبرنامج الأسبوعي الشريعة والحياة، والذي أتاح له التفاعل مع جمهور عريض يتصل بالبرنامج، ويراسله عبر البريد الإلكتروني طلباً للتوجيهات الدينية، لذلك، لم يكن مفاجئاً أن نراه إماماً لصلاة الجمعة الأولى بعد ذلك في ميدان التحرير (18 فبراير 2011) بعد الإطاحة بمبارك. وعليه، فإن إمامة القرضاوي لصلاة جمعت قرابة الـ2 مليون مُصلٍّ بعد سقوط نظام مبارك، ماهي إلا نتيجة طبيعية لـ15 عاماً من تلميع الجزيرة لشخصيته، والتي سبقها توليه منصب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين المدعوم من قطر عام 2004.

بعد الربيع العربي، أظهرت قناة الجزيرة دعماً واضحاً للإخوان المسلمين مستعدية لدول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة اللتين تتحفظان على المشروع الإخواني، وتريان فيه مشروعاً توسعياً يعادي الأنظمة الملكية.

وقد بلغ التوتر ذروته في يوليو 2017، مع الأزمة الدبلوماسية بين الدول الأربع وقطر، الذي طالبت فيه تلك الدول قطر بمجموعة من الشروط، من بينها إغلاق قناة الجزيرة.

ومنذ ذلك الحين، بدأت قناة الجزيرة تظهر تحيزاً واضحاً لقطر، وتنتج عدة برامج تنتقد فيها الدول الأربع التي فرضت العقوبات على الدوحة، وقد كان هذا بداية لخرق عُرف، ظل محترماً لسنوات في وسائل الإعلام الخليجية، والتي تبتعد عن استهداف حكومات دول مجلس التعاون مهما كان الخلاف.

تباين مستوى الاستهداف للدول الأربع بناء على الظروف السياسية المحيطة، فبعد أن كان التركيز على مصر، انتقل بعدها للإمارات والبحرين لتتركز الحملة على السعودية.

والموضوع يتعدى شعار الجزيرة «الرأي والرأي الآخر»، لأنه يقوم بتركيز الجهود على أحداث بعينها في دول كانت حتى الأمس القريب خطاً أحمر لا تتناوله الجزيرة، وأعني هنا عندما كانت حكومات هذه الدول على علاقة طيبة بالحكومة القطرية.

ختاماً، نطرح أسئلة محورية: ما مستقبل الجزيرة بعد حل الأزمة الخليجية؟ والأهم من ذلك ما مدى احتفاظ القناة بمصداقيتها لدى الجمهور العربي بعد أن أصبحت جزءاً من أزمة سياسية إقليمية؟.

في هذه المرحلة، قد يتساءل المرء عن مواقف قناة الجزيرة تجاه تلك الدول الأربع في فترة ما قبل 2017 ولماذا لم تنتقدها القناة قبل اتخاذ هذا الإجراء العدائي ضد دولة الجزيرة التي تستضيفها؟ لذا فإن السؤال الأخير سيكون: هل يجدر وصف الجزيرة بأنها قناة إخبارية قطرية بدلاً من قناة إخبارية في قطر؟.