الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

أمريكا.. المعايير المزدوجة

عندما يكون لكَ معيار لنفسك ومعيار مختلف لغيرك، فإنك تعاني عوجاً أخلاقياً

قال الأدميرال ستانسفيلد تيرنر، مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (1977–1981)، في محاضرة له بمركز زايد العالمي للتنسيق والمتابعة في أبوظبي بتاريخ 8 يوليو 2003، إن بلاده تنتهج معايير مزدوجة، وليس معياراً واحداً، في التعامل مع الدول المختلفة بحسب صداقتها أو عداوتها للولايات المتحدة الأمريكية.

ويبدو أن الولايات المتحدة لا تَقصُر استخدام المعيار، أو المعايير المزدوجة، على الدول وإنما تستخدمه أيضاً مع المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة، فهي لا تريد لهذه المنظمات أن تستقل بقراراتها وتلتزم الحياد بين الدول، فقد أوقف باراك أوباما دعم بلاده لليونيسكو عندما قبلت انضمام فلسطين إليها كعضو كامل سنة 2011، وعام 2017 أعلن ترامب انسحاب أمريكا من اليونيسكو بعد قرارات اتخذتها عام 2017 وضعت فيها الخليل والحرم الإبراهيمي في لائحة التراث العالمي وجعلتهما ضمن فلسطين، وأعلنت الولايات المتحدة سنة 2018 انسحابها من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بسبب موقفه من إسرائيل.


وفي بداية هذه السنة (2020) علَّق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعم الولايات المتحدة المالي لمنظمة الصحة العالمية متهماً إياها بالتحيز للصين، والآن جاء دور المحكمة الجنائية الدولية، إذ فرضت الولايات المتحدة عقوبات على كبار مسؤوليها، ومن بينهم فاتو بنسود، المدعية العامة لهذه الهيئة بعدما وسَّعت مجال تحقيقاتها الجنائية ليشمل جنوداً أمريكيين متهمين بجرائم حرب.


والحقيقة أن الولايات المتحدة ليست وحدها التي تنتهج المعايير المزدوجة، بل نجد دولاً كثيرة تنتهج سياسات ومواقف معيَّنة، ثم تنتقد دولاً أخرى وتتهمها بفعل ما تفعله هي نفسها! فتلك الدول – مثل الولايات المتحدة – تُجيز لنفسها ما تُحرِّمه على غيرها! وهذا السلوك منافٍ للأخلاق ومبادئ العدل والإنصاف، فعندما يكون لكَ معيار لنفسك ومعيار مختلف لغيرك، فإنك تعاني عوجاً أخلاقياً وخللاً سلوكياً يجب أن تنتبه له.

هذا النوع من السلوك المزدوج والمعايير المختلفة والمختلَّة حذَّر منه الحارث المحاسبي (المتوفى سنة 240 هـ / 854م)، فقال: «ومن علامات العدل: ألا تجعل الحُكم حُكمين، فتحكم لنفسك بحكم، وللناس بآخر، حتى يكون الحكم في نفسك وفي غيرها حكماً واحداً، وإنصاف الناس من نفسك».

إن الكيل بمكيالين مختلفين ظلم وإنكار للعدل والإنصاف، لكنه للأسف هو المعيار السائد في سلوك كثير من الدول!.