الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

التقييم «يتفلسف»

رغم أن كلمة «يتفلسف» لا يوجد ما يعيبها وفق المعاجم العربية، فمصطلح الفيلسوف يطلق على من يتكلم بالحكمة، وكما هو معلوم الحكمة لا يملكها كل شخص والناس يتفاوتون في درجات الحكمة.

ولكن كلمة يتفلسف مع مرور الوقت حُوِّرَتْ لدى البعض لتطلق كتقييم على من يكون كلامه غير مفهوم، وذهب البعض لأبعد من ذلك إذ جعل كلمة «يتفلسف» كتسفيه لرأي الآخرين أو الحط من مكانتهم وقدراتهم.

وإذا أردنا أن نقف على دوافع تقييم كلام الآخرين بالتفلسف، فعلينا أن ننظر إلى أضلاعها الثلاثة، وهي المُقَيِّم الذي تلفظ بهذا اللفظ، والشخص الذي وجه له، وبعدها الموضوع أو المناسبة التي قيلت فيها هذه الكلمة.

ولن يستغرق الوقت طويلاً لمعرفة دوافع هذا التقييم، لا سيما أن الطرف الأضعف هو من سيلجأ لاستخدام هذا المصطلح عندما لا يتمكن من مجاراة من هو أمامه أثناء التقييم أو الحوار أو المناظرة، وفي بعض الأحيان قد يكون نوعاً من استسلام قائلها ولكن بتنمر.

فأثناء الحوارات التلفزيونية التي تكون بين شخصين أو أكثر، قد يلجأ أحد المُتَحَاوِريْن بعد أن يضُيق عليه ولا يجد ما يرد به على الطرف الآخر بتقييم كلامه بأنه «يتفلسف»، وإذا تُرجمت كلمة «يتفلسف» للغات أخرى، فسيتبين أنه مدح غريمه دون أن يشعر وجعله من الفلاسفة أي من الحكماء.

عند سماعنا تقييم شخص لآخر «بأنه يتفلسف»، علينا أن نتيقَّن أنه تقييم وهمي اتَّخذه قائله كستار ليخفي عورة ضعفه وعجزه عن مجاراة الشخص الذي أمامه، فلهذا يحاول أن يحطَّ من قدره، ويصفه بأنه يتفلسف.

وهذا يقودنا إلى السؤال الآتي: هل الفلسفة أصبحت عاراً حتى يتم وصف الشخص المغضوب عليه بأنه «يتفلسف» أم أنها لا تزال محافظة على قوتها من أن الحكمة تكون لدى البعض دون الآخر والمحروم منها يحاول أن يقتلعها من أصولها؟

وهناك كلمات ومصطلحات أخرى حُورت إلى معانٍ واستخدامات جديدة، منها ما أبعدتها عن معناها الأصلي حتى أصبح لا يوجد ارتباط بينها وبين المتداول منها مثل كلمة «شاطر»، ومنها ما يصعب الاتفاق عليها رغم وضوحها لتضارب المصالح والزوايا، التي ينظر لها تماماً كالرقم (9) الذي إذا وضع بين طرفين متقابلين فكل منهما سيقرؤه من زاويته ومصلحته إما (9) أو (6)، ولا يحسم الأمر إلا اللجوء لتطبيق العدالة.