الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

الرياضة والمال والسياسة.. الخليط المسموم

خلال زيارتي القصيرة إلى جنوب فرنسا هذا الأسبوع، الذي يحمل لنا آخر أيام فصل الصيف الهادئة، اطلعت على تجربة لم تكن متوقعة، وربما كان غياب حشود السياح الذين اعتادوا الحضور إلى هذه المنطقة هو الخوف من فيروس «كوفيد-19»، الذي جعل الجو العام هادئاً بشكل مدهش، إلا أن هذا المزاج تغير عندما التقى أفضل ناديين فرنسيين لكرة القدم يوم 13 سبتمبر الجاري، وكان نادي «أولمبيك مرسيليا» يستضيف على أرضه نادي العاصمة «باريس سان جيرمان» لإجراء مباراة حاسمة بينهما، وكانت نتيجة اللقاء التي حُسمت لمصلحة نادي مرسيليا بنتيجة 1- صفر كافية لإطلاق حالة من الفرح المسعور في شوارع مرسيليا وبقيَّة المدن الفرنسية.

هذه هي كرة القدم كما عهدناها، وهذا هو حماس المشجعين الذي قد يبلغ حدّ الانفجار، ولكن كان هناك شيء أخطر مما حدث، يتعلق بضياع الثقة والتنافس الشديد الذي بلغ حدود العداء بين جماهير العاصمة الفرنسية والمدينة الفرنسية الثانية، التي تقع على شاطئ البحر الأبيض المتوسط.

ويذكّرنا التاريخ أن نشوء الأمة الفرنسية تم منذ العصور الوسطى حول عاصمتها، وكانت مرسيليا ميناء مزدهراً يشرف على البحر في مواجهة إفريقيا وآسيا، حيث ازدهرت التجارة ونقل البضائع وتبادل الناس، وتلاقحت الأفكار من المغرب إلى المشرق.


ونتذكر أيضاً أن الفترة الاستعمارية في القرن الـ19 كانت زمن الثراء والوفرة لهذا الميناء المهم، وأما الآن فإن مرسيليا تشعر أن باريس اختطفت بريقها وأهملتها، خاصة بعد أن أصبح سكانها خليطاً من أقوام تدفقت عليها من شواطئ البحر الأبيض المتوسط المقابلة، التي تمتد من إفريقيا حتى آسيا، بما يؤدي إلى تفاقم النزعة القومية المحلية ضد الشمال.


هناك كثير من الناس يعتقدون أن كرة القدم أصبحت إحدى الأدوات القوية للتعبير عن الانتماء والتمسك بالهوية المحلية، إلا أن هناك فارقاً يبدو شديد الوضوح هنا، وهو أن النادي الباريسي أصبح منذ عام 2011 ملكاً لصندوق قطر للاستثمار، ومن شأن هذه العقدة أن تؤجج مشاعر الغيرة والحسد وحتى الاحتقار من طرف الأندية الأخرى، وحتى من مشجعي كرة القدم الحقيقيين، وهو أمر رمزي يعبّر عن سطوة المال على الأهداف المثالية والأصيلة للرياضة، ويؤجج المشاعر الساخطة على الممارسات المنحرفة كالرشوة والفساد التي أدت إلى اختيار قطر لاستضافة مباريات كأس العالم عام 2022.

هذه الفضيحة التي أصبحت تُعرف باسم «قطر غيت» نسبة إلى الفضائح السياسية الأمريكية الشهيرة «ووتر غيت» و«إيران غيت»، من شأنها أن تشوّه سمعة النادي الباريسي.

وكانت هزيمته الشهيرة تلك ترمز إلى انتصار القِيَم الرياضية المثالية على الممارسات المنحرفة لثروة المال، وكذلك انتقام الإقليم الجنوبي المنسي من العاصمة الفخورة بأمجادها.

الآن، هناك من يتساءل حول أسباب انتهاج سياسة الأبواب الفرنسية المفتوحة أمام الاستثمارات القطرية، وربما يكون التجاهل الشعبي للنادي الباريسي دليلاً على ذلك.