السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

جدلية الخطابين الثقافي والديني

هناك علاقة عضوية بين تجديد الخطاب الثقافي وتجديد الخطاب الديني، فتجديد الخطاب الديني مقدمة ضرورية لتجديد الخطاب الثقافي، لأن القيم والأفكار الدينية هي التي تشكل ثقافة الفرد والمجتمع وتحدد توجهاته، فهو مغرق في التعلق بالماضي، وهذا سيقضي حتماً على ثقافة الإبداع والابتكار والتخطيط للمستقبل.

الخطاب الديني الذي يبالغ في الغيبيات لن يساعد على ظهور ثقافة عقلانية رشيدة، لذلك لا بد من تجديده، ومعه يسير بالتوازي تجديد الخطاب الثقافي، على أن تكون المبادرة من الخطاب الديني.

تجديد الخطاب سواء الديني أو الثقافي موضوع حديث جداً، والمقصود به تجديد كل ما يتعلق بالتواصل بين العلماء والدعاة والمثقفين من جانب والجمهور والمجتمع من جانب آخر، وذلك لأننا أصبحنا نعيش في مجتمعات كبيرة، لم يعد يصلح فيها التواصل المباشر، وإنما يتم التواصل عبر وسائل مقروءة، أو مسموعة، أو مرئية، وكل تلك الوسائل تفتقد إلى البعد الشخصي الذي يمكن أن يصحح سوء الفهم، ويضمن أن المتلقي قد فهم المقصود فهماً صحيحاً، لذلك كان من الضروري التركيز على موضوع الخطاب، وهو الرسالة ووسائل توصيلها.


للأسف، لم تكن هناك محاولات جادة لتجديد الخطابين الديني والثقافي، بل على العكس، كان يتم توظيف هذا الشعار لأغراض سياسية أو أيديولوجية، فرفع شعار التجديد عادة ما كان يستخدم لنشر أيديولوجية معينة، أو لتبرير مواقف، فلم تتم أي عملية جادة لتجديد الخطاب الديني في العالم العربي طوال القرنين الماضيين، حيث تم استخدامه من جميع الأطراف، استخدمته الحركات السياسية للوصول إلى السلطة والاستحواذ عليها مثل جماعات الإخوان والتنظيمات المنبثقة منها أو المتأثرة بها، واستخدمته النُّخب السياسية في صراعها مع الجماعات المعارضة بكل خلفياتها.


والخلاصة التي يصل إليها أي باحث متعمق في الإشكاليات الكبرى للخطابين الثقافي والديني، وهي حقيقة راسخة، أن أزمة المجتمعات العربية ثقافية في الأساس سواء جاءت هذه الأزمة بسبب هيمنة خطاب ديني مغلق في طبيعته، بعيد عن الواقع في مضمونه ومحتواه، حاد وعنيف في طرائق توصيله، أو بسبب فشل نظم التربية وعدم تجددها وتطورها لعقود طويلة، أو بسبب التخلف الاقتصادي والتكنولوجي، أو الانسداد السياسي وانغلاق الأفاق المستقبلية، في كل تلك الأحوال وصلنا إلى حالة من جدلية الانغلاق بين الديني والثقافي، كل منهما يسهم في تضخيم إشكاليات الآخر، لذلك لا بد من تجديد الاثنين معاً، وبخطة استراتيجية محكمة.