الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

التطبيع.. رؤية مغاربية

منذ توقيع الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، يوم 15 سبتمبر الجاري على اتفاقيتي سلام مع إسرائيل، عادت قضية فلسطين، إلى صدارة السجال العربي، لا بصفتها «قضية العرب الأولى» مثلما راج طيلة عقود، بل لطرح أسئلة مترتبة عن تحيين عارم جرى استدعاؤه في فهم القضية.

في قراءة الحدث السياسي المسمى «تطبيعاً» لدى الغاضبين، و«اتفاق سلام» لدى من يتبنونه خياراً ورؤيةً، أو ترياقاً لحل القضية، يمكن تلمّس تباينات كثيرة، في الجغرافيا وفي الفاعلين، لكن ما يروج من حديث عن «انفراط العقد العربي» فيما يتصل بقضية العرب الأولى، انعكس أيضاً في فروقات جغرافية في استخراج التعليق الحر من الخبر المقدس.

على ذلك نلمس فرقاً في الرؤية المغاربية للتطبيع مقارنة بما يسود في أقطار أخرى في المشرق، وفي ذلك دواعٍ سياسية ومجتمعية لا يسمح الحيز ببيانها، لكن الثابت أن الموقف المغربي، الرسمي أو الشعبي، عبّر عن رفضه لمقاربة التطبيع، وتفاوتت درجة امتعاضه من الحدث، بين المواقف الرسمية التي حاولت التوفيق بين التأكيد على قداسة قضية فلسطين، واحترام إرادات الدول وسياساتها، وبين المواقف الشعبية التي ركنت إلى مقارباتها المبدئية، وفيها حتى من عاد إلى استحضار اللاءات الثلاث الشهيرة.


التعبيرات الشعبية المغاربية كانت تقارب أمر فلسطين بمفردات مبدئية لا تدوير فيها للزوايا، أما المواقف السياسية المغاربية، فقد انتحت اتجاهات أخرى راوحت بين المبدئي في تبني القضية، وبين احترام إرادات الدول وخياراتها.


فمثلاً، شدد الرئيس التونسي قيس سعيَّد على موقفه القائم على «لا نتدخل في اختيارات بعض الدول ولا نتعرض لها»، واعتبر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون «أن هناك نوعاً من الهرولة نحو التطبيع ونحن لن نشارك فيها ولن نباركها»، وعبّر المغرب عن رفضه للتطبيع مع إسرائيل على لسان رئيس الحكومة سعدالدين العثماني الذي قال «إن موقف المغرب هو الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني».

تُقاربُ قضية فلسطين عند شعوب المغرب العربي بوصفها قضية وطنية، وتسود رؤية يمتزج فيها العاطفي بالتاريخي بالسياسي، لذلك فإن أي انزياح رسمي عن الثوابت الشعبية تجاه فلسطين، سينعكس وبالاً على النخب الحاكمة.

على ذلك، فإن المواقف المغاربية تجاه اتفاقيات التطبيع تتضمن ترجمة سياسية لمركزية القضية عند الشعوب.. لعب النسيج المدني والنقابي القوي دوراً قويّاً في إسناد الرفض الشعبي لكل خدش ينال قداسة القضية، ولذلك أيضاً فإنَّ الرفض الشعبي والرسمي المغاربي للتطبيع مع إسرائيل سيتواصل مع كل اتفاقية جديدة، حيث يرجح أن تكر سبحة التطبيع أقطاراً عربية أخرى.