الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

ماذا بعد التطبيع الخليجي مع إسرائيل؟

كان مشهداً ذكرني بمقولة العظيم أدونيس «فاتحة لنهاية القرن».. إنه مشهد مصافحة ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية لشمعون بيريز وزير خارجية إسرائيل في اتفاقية أوسلو للسلام 1993، لينالا بعدها جائزة نوبل للسلام، حيث كان هذا الأخير التميمة السحرية لكل ما سيجري، وغرقت المنطقة بعدها في حروب طاحنة وشلالات دماء لا تنقطع.

بعد أوسلو بأكثر من ربع قرن، قررت الإمارات والبحرين التطبيع مع إسرائيل، لكن لماذا يُطبِّع العرب مع إسرائيل؟ ولماذا لا يُطبِّعون؟

السلطة الفلسطينية طبّعت أولاً، ومقترح حل الدولتين الذي تُجمع عليه غالبية الفصائل الفلسطينية يتضمن الاعتراف بإسرائيل، واتفاقية أوسلو هي الغطاء الشرعي لكل معاهدات السلام العربية مع إسرائيل، والواقع يقول: إن إسرائيل واحدة من أقدم الدول الحديثة في المنطقة، فقد تأسست سنة 1948، في الوقت الذي كانت تناضل فيه أغلب الدول العربية لنيل استقلالها والحصول على موقع في الخريطة.


لكن إسرائيل دولة استيطان واحتلال، هذا صحيح، وكذلك كان العثمانيون قبائل مغولية احتلت القسطنطينية.. التاريخ لا يعترف بنمط سويّ لتأسيس الدول، وإسرائيل اليوم دولة متقدمة وديمقراطية، وقد ولد فيها ما يقارب ثلاثة أجيال لا يعرفون وطناً ولا نسباً سواها.


في المقابل يشتد صراع الفصائل الفلسطينية، وتتورط في أزمات الدول العربية كما فعلت منظمة التحرير في أيلول الأسود في الأردن في سبتمبر 1970، وفي لبنان في السبعينات، وكالخيانة العسكرية والاستخباراتية لحماس في سوريا وانحيازها لإخوان مصر، ما جعلها لا تجد حضناً غير تركيا وإيران.

نحن مع حق الشعب الفلسطيني، ولكن للأسف لا وجود لمشروع فلسطيني لحل القضية الفلسطينية، إذن نحن بحاجة إلى وقفة عقلانية تضبط اتزاننا بعد الزلازل التي مررنا بها منذ تسعينات القرن الماضي، حيث لا يمكن إنكار وجود دولة إسرائيل، ولا يمكن طمس الحق الفلسطيني في الأرض والتاريخ.

وفي غمرة اندفاع البعض لمشروع التطبيع، لا يجوز تخوين من يرفض التطبيع، ولا يمكن القبول بتحويل الفلسطينيين بين عشية وضحاها إلى مجرمين والإسرائيليين إلى ضحايا، علينا أن نعيد صياغة العلاقات السياسية العربية بما يخدم مصالح جميع الأطراف، ويحمي ما بقي من دول عربية من الخراب الأعظم، الذي اكتسح المنطقة بأكملها.

هذا الطرح سيستفز أنصار القضية الفلسطينية، ولن يرقى إلى رضا المتحمسين للتطبيع، ولكن ليست وظيفة الكاتب أن يستجير برضا أحد الأطراف، بل وظيفته طرح الأسئلة المقلقة، وتسليط الضوء على البقع الداكنة، وأن يكون عقلانيّاً لدرجة تُوجِع القلب.. ولكنها تُوقِظ البصيرة.