الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

الجزائر.. فتنة الدستور أم دستور الفتنة؟

أشرت في مقال سابق أن الديمقراطية في الوطن العربي هي مجرد عملية عبثية، وفعلاً هي تبدو كذلك، لأنه من المفروض قبل أن تكون سلوكاً تغدو ثقافة تشكل الوعي الجمعي والفردي، بحيث يرضى الجميع بآراء الآخرين ولا تفسد الاختلافات علاقاتهم، ولا تدفعهم للتناحر أو التنابز وزيادة الفرقة والتشتت، ولا تصل لتهديد اللُّحمة الوطنية وحتى الوحدة والاستقرار، على أن يكون الصندوق هو الفيصل في من له الغالبية التي تحكم لفترة محددة.

أقول هذا الكلام بعد قرب موعد الاستفتاء على الدستور في الجزائر، المقرر في الأول من نوفمبر المقبل، وانطلاق الحملة التحسيسية قبل ذلك، وتحديداً في السابع من أكتوبر الجاري.

وقد انقسم الشارع الجزائري حول المشروع، وهو شيء طبيعي، لكن هذا الانقسام في عمقه لا يعكس احترام الاختلاف في المواقف بل يكشف العكس.

وعموماً هناك ثلاثة توجهات، الأول: يرفض المشاركة في الاستفتاء أصلاً، ويرى أنه لا يحمل مؤشرات بناء الجزائر الجديدة التي يدعو إليها الرئيس عبدالمجيد تبون، وأنه لم يشارك في صياغته وإثرائه بسبب دعوة هذا التوجه لإنشاء مجلس تأسيسي يعيد بناء الدولة من أساسها، ويمثل هذا التوجه، عادة، التيار البربري واليساري والفرنكوفونية.

أما التوجه الثاني، فهو كشكول من التيارات الفكرية يدعو للتصويت بلا، على اعتبار أن المشروع عزز سلطة الرئيس ولم يخلق التوازن بين السلطات، والأهم من ذلك أنه مشروع يحمل في طياته بوادر تقسيم الجزائر وتهديد وحدتها الشعبية والترابية بعدما نص على ترسيم الأمازيغية وجعلها لغة رسمية ثانية، ويضم هذا التوجه عموماً التيار الإسلامي والقومي وجزءاً مما يُعرف باسم التيار النوفمبري الذي التف حول قائد أركان الجيش الراحل الفريق قايد صالح.

أما التيار المؤيد فهو بدوره كشكول سياسي يتمثل أساساً في الأحزاب، التي دعمت الرئيس بوتفليقة طيلة 20 سنة مضت، وهو ما جعل بعضها ينتقد ويرى أن الجزائر الجديدة لا تُبنى بأحزاب قديمة، إلى جانب جزء من الوعاء الانتخابي للرئيس تبون وجزء من المجتمع المدني، الذي يسعى تبون لجعله يعوض فشل المجتمع السياسي.

المشكلة الآن، أن الدستور من المفروض أن يكون حوله إجماع أو شبه إجماع بين الناخبين، لذلك يظل التساؤل إلى أين تقودنا الديمقراطية في حالة ما إذا كان الرفض هو الغالب أو كانت المشاركة ضعيفة جداً حتى لو كانت نعم هي الغالبة؟، وماذا لو أصرت السلطة على تمرير المشروع بأي ثمن؟