الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

التطبيع.. وسلة غذاء العالم

بين الانطباعية والابتكار في الفكر الدبلوماسي السوداني الجديد يكمن جوهر جدلية التطبيع، فعلى مدى عدة سنوات كان الجميع مدفوعين وراء دوائر رفض الفكرة، ويبدو اختراق استقرار المبدأ صادماً، لكن حاجتنا إلى الحقيقة لا تمنحنا إلا فيضاناً من الفراغ للتأزم فيه، هذا الفراغ يجبرنا على إدراك اللامعنى وانعدام الحرية في القدرة على اكتشاف الآخر، فالسودان لم ينسلخ إذا قرر المضي إلى التطبيع، فقد أصبح له قناعات مختلفة.

مما لا شك فيه أن إسرائيل تتطلع إلى مد جسور العلاقات والسلام مع جميع بلدان المنطقة، ولا شك أيضاً أن السودان مثل البلدان المختلفة من شتى أقطار العالم، لا يكتفي بالاعتماد على طاقاته الذاتية لتحقيق ما يصبو إليه في جميع المجالات فحسب، بل يُعمِل اعتماد دبلوماسية فاعلة لتطوير علاقاته مع الدول الأخرى.

وبمبدأ جلال الصمت وبلاغة المنطق يأتي السودان في المقام الأول، حيث إن مراعاة المصلحة الوطنية العليا هو النهج البراغماتي الذي تتعامل به الدول الناجحة على أساس استراتيجيات بعيدة المدى، وهو حق لا يجوز لأي جهة إنكاره، فالمرحلة تتطلب بناء سودان قوي يبني علاقاته الخارجية وفق مصالحه دون المساس بمصالح الآخرين.


وتجدر الإشارة في سياق موازٍ إلى أن العلاقات بين السودان وإسرائيل ليست نتاج الراهن، بل تعود إلى ما قبل استقلال البلاد، وكانت في بداياتها نفعية بين إسرائيل وحزب الأمة برئاسة صديق المهدي والد رئيس الحزب حالياً الصادق المهدي، ثم اتّخذت العلاقات منعطفاً جديداً لتكون بين المؤسسات الرسمية في عهد الرئيس الراحل جعفر النميري عندما سهلت هجرة يهود إثيوبيا (الفلاشا) إلى إسرائيل، واستمرت بوتيرة متفاوتة في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير.


ولا شك في أن أي تطبيع له علاقة ممتدة مع الدول المتقدمة تقنياً، كإسرائيل، سيسهم في الاستفادة من هذه الموارد من خلال توفير التكنولوجيا التي لديها والعمل على تمكين الشعب السوداني من ثروته، وبالمقابل ستستفيد إسرائيل من التبادل التجاري نتيجة لذلك، وجميع بلدان الشرق الأوسط، ستنال حصتها من «سلة غذاء العالم» ومستودع معادن المعمورة.

وعليه، من الضرورة مراعاة العديد من الحقائق التي لا يمكن تجاهلها، في عملية التطبيع وذلك برسم السياسة الخارجية والاستراتيجية المتبعة، للتعامل مع إسرائيل على أن تكون العلاقات مبنية على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.

في هذا السياق، لا يمكن اعتبار الرضا مكوناً أساسياً للدبلوماسية السودانية الجديدة كمنتج للمعرفة والسلوك الذهني الاستبطاني للشعب، دون ربطه بالبنية المعرفية والثقافية للمجتمع الإسرائيلي، والسؤال: هو هل يمكن إنشاء قاعدة تواصل اجتماعية للشعبين دون إدراك كينونة الآخر؟