السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

كورونا.. اختبار للتماسك الأوروبي

يبدو أن بلدان العالم كلها تمر، اليوم، بحالة من التفكك والتشرذم، وأن مفهوم «المجتمع الدولي» بدأ يتفرغ من محتواه على نحو متواصل، وبات من الواضح أن الانتصار للمصالح الوطنية على المصالح الجماعية أصبح يتعارض ويتقاطع مع القلق العالمي المرتبط بالحاجة العاجلة لإنقاذ كوكبنا، ويبرز هذا التوجّه في قمة هرم السلطات، ويجعل من العسير معرفة من الذي قرر وضع المصالح الوطنية فوق كل اعتبار، فهل هي الصين أم الولايات المتحدة مثلاً؟

وتقدم لنا جائحة «كورونا، التي يبدو أن احتواءها والسيطرة عليها أكثر صعوبة بكثير مما كان متوقعاً، مثالاً بالغ الوضوح عن هذا الخلل العالمي، حيث كان من المفترض أن يكون التضامن والتعاون الدولي هو النظام المتبع بشكل متواصل، كما تؤكد بشكل قاطع على عدم وجود أي تحرك لتوحيد القوى والجهود من أجل مكافحة الوباء، بدلاً من الاكتفاء بتقديم إيماءات رمزية لدعم البلدان الفقيرة أو المحتاجة للمساعدة.

أوروبا، مثلاً، لم تتمكن من الاتفاق على وضع معايير مشتركة لمكافحة الجائحة بالرغم من مُضي عقود كاملة من التوقيع على معاهدة روما لعام 1957، والتي أدت إلى ولادة «الاتحاد الأوروبي»، بل على العكس من ذلك، وجدنا أن كل دولة عضوة في الاتحاد تغلق حدودها وتضع قواعدها وإجراءاتها الخاصة لمواجهة الأزمة، وكان يتم ذلك بدلاً من تناقل الخبرات والاحتكام للإجراءات الاستشارية بين الدول الجارة، ومن دون الالتفات للروابط البشرية والأسرية، التي نشأت وتطورت على طول الحدود المشتركة بينها.


وبمجرد أن دخلت الاقتصادات المحلية لبعض الدول دائرة الخطر، أُلغيت الإجراءات التي تحظر دخول المسافرين الأجانب يومياً، كما هي الحال بين سويسرا والمناطق الفرنسية المجاورة لها.


لقد كان الاقتصاد يمثل الاهتمام الأول للزعماء الأوروبيين، وتم اتخاذ تدابير وإجراءات جريئة وفعالة في كل من ألمانيا وفرنسا، إلا أن ذلك حدث من أجل تجنّب وقوع كارثة اقتصادية بعد مُضي ستة أشهر كاملة من تفشي الوباء، وليس من أجل إنقاذ أرواح البشر.

لا شك أن هذا المنهج الأوروبي الذي يمنح الأسبقية للمصالح الوطنية والاقتصادية، غير كافٍ لحماية الشعوب الأوروبية من التحديات المفاجئة وغير المحسوبة العواقب التي قد تبرز إلى حيز الوجود، ومن أحدث الأمثلة على ذلك، التهديد التركي المتزايد في ليبيا ومنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، والآن في منطقة القوقاز بعد أن اندلعت المعارك على الحدود المشتركة بين أذربيجان وأرمينيا.

وحتى لو اتَّخذت فرنسا موقفاً حازماً يقضي بدعم اليونان، تنفيذاً لبنود القانون الدولي، ولو بشكل رمزي، فإن من المؤلم عدم قدرتها على لمّ شمل شركائها الأوروبيين حول هذا الهدف.

ودعنا نتذكر في هذا الصدد المثل الذي يقول: «لا يمكن للخوف أن يقضي على الخطر»، ولنتذكر أيضاً أن السياسة البريطانية لاسترضاء ومهادنة هتلر لم تنقذ بريطانيا من كوارث الحرب العالمية الثانية.