الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

أردوغان وجوليفير.. ما وجه التشابه؟

لتركيا صولات وجولات في إثارة المشكلات مع جيرانها، ولقد بلغت مؤخراً موطن «الأرمن».. أعداء الأمس.

المعارك الدائرة بين الأرمينيين والأذربيجانيين منذ 27 سبتمبر الفائت حول إقليم ناغورنو قره باغ، هي الأعنف منذ وقف إطلاق النار عام 1994، الذي وضع حداً للنزاع بين هاتين الدولتين السوفييتيتين السابقتين.

يرى مراقبون أن التزام تركيا بتقديم الدعم للهجوم العسكري الأذربيجاني، يُعتبر أحد أهم عوامل وأسباب تصعيد المواجهة بين الطرفين.


وكان من الواضح أن استخدام أسلحة تركية الصنع بما فيها تكنولوجيا الطائرات المسيّرة، كان له دوره الحاسم في تغيير التوازن الدقيق القائم بين العدوين اللدودين، وتناقلت الصحافة العالمية تقارير غير مؤكدة تفيد بأن تركيا قامت بحشد مقاتلين مرتزقة من سوريا للقتال إلى جانب أذربيجان.


وما تزال الدوافع الحقيقية الكامنة وراء التورط التركي في هذه القضية المتفجرة غير معروفة جيداً بالنسبة للأجانب، ويبدو أن هناك تصاعداً في مشاعر الانتماء القومي بين الأتراك، الذين يعتقدون بوحدة المصير مع الدول الأخرى ذات المشارب التركية. وهناك ما يكفي من الأسباب التي تدفع جيران تلك الدول إلى الخوف من هذه الروح الوحدوية التركية، التي تسعى إلى استعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية البائدة.

على الرغم من أن السياسة الخارجية لتركيا هي بلا شك مثيرة للانقسامات الداخلية، إلا أن من الغريب أنها توحد العديد من البلدان، وعندما تشعر الدول بخطر الميول العدوانية التركية، فإنها تضع مع بعضها اليد باليد، وتوحد صفوفها لتشكل بذلك تحالفاً كافياً لمحاصرة تركيا ذاتها.

ومن أهم النتائج السياسية لهذا التحالف الواسع المناهض لتركيا بشكل عام ولأردوغان بشكل خاص، أن من شأنه أن يسهم في تجاوز الانقسامات الإسلامية-المسيحية، والإسلامية-اليهودية وإضعافها.

وتبدو دول الخليج العربي، على سبيل المثال، متعاطفة مع الجانب المسيحي الأرميني أكثر من تعاطفها مع الطرف الأذربيجاني المسلم، وهي التي عمد بعض دولها مؤخراً لإقامة علاقات دبلوماسية مع الدولة اليهودية ومع يهود الولايات المتحدة والعالم أجمع.

هذه المواقف تذكرني بمشهد من رواية «رحلات جوليفير» Gullives Travels، للروائي الأيرلندي الشهير جوناثان سويفت، حيث قام جوليفير برحلة إلى جزيرة «ليليبوت»، ثم ما لبث أن وجد نفسه مقيداً بالحبال وساقطاً على الأرض بمجرد وصوله إلى هناك من طرف أقزام يستوطنون الجزيرة، لمجرّد أن الشكوك ساورتهم بالنيّة الحقيقية للعملاق، وكانوا يخشون من قوته المطلقة والأذى الذي قد ينجم عنها.

ولنتذكر أن هناك سلسلة من البلدان المتجاورة التي تمتد من شاطئ شرق البحر الأبيض المتوسط حتى سلسلة الجبال الوعرة لمنطقة القوقاز في وسط آسيا، لكل منها مشكلاتها الخاصة مع تركيا، وهي تتحالف الآن مع بعضها البعض من أجل تقييد حركة تركيا العملاقة مثلما حدث لجوليفير.. وربما يستحق رجب طيب أردوغان جائزة ثمينة لأنه نجح في توحيد أهداف العديد من البلدان التي تختلف معه في الرأي.

ربما يستحق أردوغان جائزة ثمينة لنجاحه في توحيد أهداف البلدان المختلفة معه.