الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

أمريكا.. الحرب الباردة المحلية

لم تشعر «هوب هيكس» مساعدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأيّة أعراض مرضيّة تدعو للقلق، مضت في أداء متطلبات وظيفتها على نحو طبيعي، استقلت طائرة الرئيس إلى حيث المناظرة بينه وبين المرشح الديمقراطي جو بايدن، ثم واصلت معه في تجمع انتخابي في مينيسوتا، وفي الطائرة والتجمع كان الرئيس ترامب يتعامل مع مساعدته من دون كمامات على الوجه.

تقول صحف عالمية إن «هيكس» هي التي نقلت العدوى للرئيس، وتقول صحف أخرى: ربما آخرون، إنه قد التقى كثيرين من دون اكتراث لاحتمالات العدوى.

تمنى «جو بايدن» الشفاء العاجل للرئيس وللسيدة الأولى، ولكن بعيداً عن التمنيات الطيبة، سيعمل الجمهوريون على رفع أسهم مرشحهم عبر إثارة التعاطف مع الرئيس الذي لم يستسلم للخوف، وواصل العمل حتى أنه عرّض حياته وحياة عائلته للخطر، وسيعمل الديمقراطيون على تقديم الرئيس ترامب كشخص فشل في حماية نفسه وعائلته، ثم أنه قد قلّل من خطورة الفيروس في بداياته، ثم واصل عدم الحذر طيلة الشهور الفائتة، وثم فإن تقديره لحجم المخاطر وإدارته للأزمة لم تكن صحيحة على المستوى الوطني وحتى المستوى العائلي.


ثمّة مستويان للحرب الباردة تتعلقان بالقوة العظمى الأولى، حرب باردة مع الصين وروسيا، وحرب باردة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري.. إنها الحرب الباردة المحلية في الولايات المتحدة، وهي حرب غير مسبوقة منذ الحرب الأهلية، حيث اتسعت المسافة كثيراً بين الجمهوريين والديمقراطيين، وجرى تسييس لقاح كورونا ضمن تلك الحرب القاسية الجديدة.


أصبح الرئيس ترامب حاسماً في موقفه، ويتهم علانية وبشكل متكرر الحزب الديمقراطي والدولة العميقة بوقف إقرار اللقاح حتى ما بعد الانتخابات الأمريكية من أجل إسقاطه.

إن كورونا في رأي الديمقراطيين هو «المرشح» القوي للغاية الذي يمكنه إسقاط ترامب، ومن دون ذلك فإن بقاء الرئيس في منصبه سيكون مؤكداً.

لا ينافس ترامب إذاً بايدن وحده، ولكنه ينافس الفيروس التاجي.. والنتيجة بينهما هي نتيجة الانتخابات.

ثمّة حرب باردة أكبر تدور بين القوى الكبرى الثلاث، فالصين التي تدعم بايدن تدرك أن ذلك ليس في مصلحة روسيا، وروسيا التي تدعم ترامب تدرك أن ذلك ليس في مصلحة الصين، والدولتان الصديقتان - شكلًا - تخوضان معركة غير مباشرة عبر واشنطن.

بدورها فإن الولايات المتحدة بعد تحطيم كورونا للكثير من هيبتها، ثم نيل الفيروس من المستوى الرئاسي نفسه.. باتت تواجه تصريحات صادرة من موسكو وبكين تمثل تحدياً أكبر لهيبتها.

لقد دعا رئيس مركز «غاماليا» الروسي والمنتج للقاح «سبوتنيك v» الرئيس ترامب لتناول اللقاح، أما رئيس تحرير صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية، فقد كتب يقول: «دفع ترامب - المريض - ثمن مغامرته، واليوم فإن خطورة الوباء في أمريكا قد أثرت في صورة الدولة والسلطة».. إن الحرب الباردة الدولية ليست أخطر ما تواجه أمريكا، بل الحرب الباردة المحلية.. هي الأخطر.