السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الإنسانية.. والسياسة الأمريكية

بعد المناظرة النارية التي تميزت بالمشاحنات الكلامية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونائب الرئيس السابق جو بايدن، الذي كسرت حكمته بالمقايضة مع ترامب في تدخلاته الحادة وانقطاعاته المتكررة لخطابه، فضّل بايدن في نهاية المطاف التخلي كلياً عن الحكمة، فحلبة المصارعة لم تكن تحتمل إلا هذا النمط من النزال، لتنتهي المناظرة بشق الأنفس، وبدا مقدم المناظرة منهكاً من محاولاته لفك الاشتباك.

وأعلنت نتائج الاستطلاع فوز جو بايدن في المناظرة الأولى، بينما أصيب الرئيس دونالد ترامب بفيروس كورونا، جاءت المفارقة التي أذهلت الشعب الأمريكي عندما أعلن جو بايدن تعاطفه وتضامنه مع الرئيس ترامب في محنته وزوجته، وذلك بوقف أي هجوم أو حديث سلبي عن ترامب في هذه المرحلة بفهم أن السياسة هي فن تحقيق الفائدة ولكن بمبادئ أخلاقية وقيم إنسانية.

بالرغم من أنه، عادة، ما تُربط الأخلاق بتحقيق المصالح العامة، وترسيخ القيم النبيلة أثناء تنفيذها، وتُربط السياسة بالمصالح الضيقة والسعي وراء السلطة بكل الوسائل، فإن ما شهدناه في الحالة العاطفية الأمريكية، ينفي هذا الطرح، إذ يبدو أن الإنسانية طغت على المصالح السياسية، حيث تغاضى جو بايدن عن التداعيات الانتخابية، مؤكداً أن توفير صحة أي فرد من الشعب من أولويات مصالح الولايات المتحدة.


يُنظر إلى هذا التصرف على أنه أسلوب أخلاقي أو مبدئي طالما أنه يهدف إلى تحقيق المصالح الوطنية، ومن المصالح الوطنية صحة الإنسان، ناهيك عن صحة الرئيس، وشاركه الرئيس السابق باراك أوباما هذا الموقف، بقوله إن المصالح الوطنية لا يمكن تحقيقها إلا من قِبل الحكماء، ليس هناك حب للوطن بدون مبادئ إنسانية تسعى لتحقيق الغايات الشريفة.


وبناءً على ذلك، أزالت حملة الديمقراطيين جميع إعلاناتها السلبية ضد ترامب، وأكد بايدن أن هذه ليست مسألة سياسية، بل هي تذكير بضرورة التعامل مع هذا الفيروس بجدية، وأن نرفع إنسانيتنا فوق المصالح الحزبية، فجاءت أسبقية المبادئ الإنسانية على المصالح السياسية، وتجسدت الحكمة السياسية التي مارسها بايدن بإتقان.

وهكذا يبدو أن العلاقة بين مفهومَي الإنسانية والسياسة معقدة في الحالة الأمريكية وحالة جو بايدن بالتحديد، في جوانب الاختلاف على مستوى طبيعة هذه السلوكيات، فالمنطق المكيافيلي يتنكّر للقيم الأخلاقية في سبيل تحقيق المصالح والأهداف السياسية، ويبرر تحقيق هذه الأخيرة بكل السبل المتاحة، وهيمنة المصلحة الخاصة على حساب الجمهور، فهل سيسحب بايدن البساط من تحت ترامب بتحريك وجدان الشعب تجاهه بالحكمة؟