السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

المحكمة الدستورية التونسية.. أزمة مختصرة

المحكمة الدستورية في تونس هي إحدى أكبر المفارقات التي تسم المشهد السياسي منذ سنوات، مع أن جميع الأطراف السياسية تجمع على ضرورة إنشائها، لكن الغريب أن الأطراف ذاتها أسهمت، بتفاوت، في توفير معوقات إنشاء المحكمة، التي تعطل تأسيسها منذ المصادقة على دستور عام 2014.

على ذلك فإن النقاش البرلماني، الذي اندلع في الأسبوع الأول من عودة الأشغال البرلمانية، كان عاكساً لهذه المفارقة التونسية.

في أثناء الخلافات القانونية والتقنية حول تقليص أغلبية المصادقة على استكمال انتخاب أعضاء المحكمة (من 145 إلى 131 نائباً)، تسود مفارقات فرعية أخرى تتفرع عن المفارقة المركزية.


الرغبة العارمة في استكمال انتخاب أعضاء المحكمة، تنطلق من حسابات ودوافع متباينة، فبين اعتبار سياسي يرى أن المحكمة الدستورية ستكون المخول الوحيد لإيقاف عربدة الكتل البرلمانية الكبيرة وتغولها، وبين اعتبار آخر يرى أن المحكمة الدستورية ستوقف احتكار رئيس الجمهورية لتأويل النصوص الدستورية (وهو تصور حركة النهضة)، تصبح مهمة انتخاب بقية أعضاء المحكمة عسيرة لأنها محكومة بالتجاذبات والمصالح السياسية، لا بدوافع الجدوى والضرورة.


في هذه المتوالية من المفارقات يبرز السؤال القديم: هل يرادُ، فعلاً، تأسيس محكمة دستورية لكي تقوم بمهامها المحددة لها أم يرادُ إنشاؤها لخدمة مصالح الأحزاب المهيمنة على المشهد؟

الواضح أن مطلب إنشاء المحكمة ازداد إلحاحاً لدى الأحزاب، التي عطلته طيلة سنوات، منذ صعود الرئيس قيس سعيد إلى سدّة الرئاسة، حيث إن غياب المحكمة الدستورية فتح المجال أمام الرئيس ليكون المرجع الوحيد في تأويل نصوص الدستور.. سعيد المختص في القانون الدستوري لاعَبَ الأحزاب التونسية بالألغام التي وضعتها في دستور 2014 لتضمن تحكمها في المشهد السياسي.

المحكمة الدستورية الغائبة إلى حد اليوم، هي الأزمة السياسية التونسية مختصرة، فحين يصبح إنشاء مؤسسة دستورية، بأهمية المحكمة الدستورية، محل تجاذب سياسي ومحاصصة حزبية، فإن ذلك لا يؤثر في المسارات السياسية الراهنة فحسب، بل يحكم أيضاً على مستقبل البلاد من ناحية انحراف دور الأحزاب ووظيفتها في البلاد.

الخلافات القانونية والشكلية حول استكمال انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، تحولت إلى حلقة مفرغة تخوضها الأحزاب بمنطلقات المصالح الحزبية (من قبيل البحث عن سبل تحول دون صعود شخصيات محسوبة على الرئيس) أكثر من كونها أولوية وطنية.

كان يُنتظر من المحكمة الدستورية حال إنشائها أن تُصلح معالم قصور المشهد السياسي في تونس، إلا أنها وقعت ضحية ذلك القصور، وفي ذلك «الانقلاب اختصار» للحالة السياسية في بلد أنهكته حسابات الأحزاب.