الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

حاضر فلسطين.. وماضي الأندلس

نسي المسلمون خروج العرب من الأندلس، وتوالت البكائيات عبر سنوات طويلة، ثم اكتفى العرب بمجدهم الزائل وأطلالهم الباكية.

كنت من سنوات في الجزائر نعرض في أوبرا العاصمة مسرحيتي «الوزير العاشق»، التي تحكي عن سقوط الأندلس، وبعد العرض وقف آلاف المتفرجين يحيون عبدالله غيث وسميحة أيوب بطلَي المسرحية، ويومها علمت أن عائلات كثيرة في دول شمال إفريقيا ما تزال محتفظة بمفاتيح بيوتها في الأندلس، وتوارثتها جيلاً بعد جيل على أمل أن يعود المسلمون إلى ديارهم في يوم من الأيام.

في الأيام الأخيرة عادت أحداث الأندلس والخروج المهين للعرب من ديارهم تطل في ذاكرتي، والشعب الفلسطيني مطارد في وطنه يتنقل مهاجراً في بلاد الله.


والواقع أن رهانات كثيرة حول مستقبل الشعب الفلسطيني تطرح على بساط النقاش، فهناك مثلاً من يؤكد أن الإنسان الفلسطيني لن يتخلى عن حق العودة، وأن الملايين من الفلسطينيين داخل إسرائيل، وفي غزة والضفة، والمهاجرين في بلاد الله، سوف يستردون أرضهم وتراثهم وهويتهم، ما دام الشعب الفلسطيني ما يزال مصرّاً على حقه في الحياة والوطن والحرية.


والأمر المؤكد أيضاً أن الملايين من الشعوب العربية لن تنسى فلسطين ولا أرضها ولا شعبها ولا قدسها، وأن الأحداث الجارية، اليوم، يمكن أن تغير مسيرة الوقائع، لأن الشعوب الحية قادرة على إعادة التوازن والحسابات، خاصة أنه بعد عشرين عاماً، وربما أقل، سيكون عدد الفلسطينيين أكبر بكثير من عدد اليهود في فلسطين، علماً بأن الشعب الفلسطيني من أكثر الشعوب العربية اهتماماً بتعليم أبنائه، وهو يستخدم أرقى وسائل العصر.

وفي تقديري أن الصراع الحقيقي بين إسرائيل والفلسطينيين سيكون صراعاً حضارياً إنسانياً، وهو في مصلحة فلسطين، لكن لا أدري ما هو مستقبل الأنظمة العربية، إن كان بعضها سيبقى تسلطياً واستبدادياً، كما هو اليوم، أم أن العواصف المقبلة ستغيره؟

أما القيادات الفلسطينية من كل الاتجاهات فهي ستواجه مستقبلاً غامضاً، كونها تبحث، في الحاضر، بطريقتها الخاصة عن سلام لا يجيء، وتعيش مقاومة تبحث عن مسار، ومع ذلك عندي يقين رغم كل الأخطار والمصاعب والتحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني أن غده سيكون أفضل كثيراً مما نراه اليوم.

إن الشعب الفلسطيني من أكثر العرب وعياً وثقافة، وانتماء لأرضه وترابه، ولن يفرط في حق أجياله القادمة، ومن الواجب علينا في هذه الظروف الصعبة أن نستوعب دروس الماضي، وما أشبه الليلة بالبارحة.