الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

«كلف» العولمة.. الاستطلاعات مثالاً

أسجل بداية احترامي للعاملين والمتعاطين مع ما سيأتي على ذكره من هياكل بحث وإدارة وقيادة، على قاعدة «كل الناس خير وبركة»، نحسن الظن بالجميع، ولكن، نحن في زمان تتساقط فيه المقولات الجامدة والآراء القطعية والأحكام المسبقة والأنماط المقولبة، يشمل ذلك ليس فقط المؤسسات الأكاديمية وإنما هيئات صارت هي الأخرى «أبراجاً عاجية»، في زمن انتشار المعلومة وانتهاء احتكارها،

أذكر ساعات طوالاً من الانحناء وجلوس القرفصاء في مكتبة الجامعة إعداداً لبحث موثّق محقّق، ما هي إلا بضع سنين صارت عملية البحث أيسر والزيارة إلى مركز البحث الجامعي أقصر، حتى أتى زمان «غوغلها»، فما هي سوى ثوان وأحياناً ليس أكثر من طباعة حرفين، حتى تظهر لك لائحة مطولة متشعبة من الخيارات.

صار الناس سواء في الوصول إلى المعلومة بلغات العالم عبر تطبيقات الترجمة الذكية، صدق بهذا أساتذتنا عندما قالوا: إن المعرفة الحقيقية هي في الاستخلاص بعد الربط المنطقي السوي والحقيقي للحقائق، لا للانطباعات أو الأهواء، وشبهة الرأي هنا كثيراً ما تكشف عن هوى أو انحياز.


مع كل موسم انتخابي أمريكي اعتدنا على الاعتداد باستطلاعات الرأي العام، ومراكز قياس ليس فقط الرأي العام بل المزاج العام، لكن نتائج 2016 أظهرت بما لا يدع مجالاً للشك، ألا مصداقية لتلك الاستطلاعات، وهي مشكلة تتفاقم في الانتخابات الراهنة كونها دخلت في إطار ما عُرف بثقافة الإسكات وليس فقط الصمت! بلغ الأمر ببعض كارهي أمريكا والحزب الجمهوري وبخاصة المحافظين ومناوئي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى حد الكراهية الظلامية والحقد الأعمى، وبلغ الأمر حد التنمّر على معارضيهم وحتى أولئك الذين لا ينضمون إلى جوقتهم في أشبه ما يكون ثقافة القطيع!


حتى المناظرات في زمن ثقافة الإسكات والتنمّر، في ظل جائحة كورونا (الطاعون الآتي من الصين)، انضمت إلى الاستطلاعات في تلاشي مصداقيتها، (لا تنهَ عن شيء وتأتي بمثله) قاعدة شعرية أخلاقية تهشمت تحت ضربات اليمين واليسار في أمريكا، والعدوى أصابت حتى الإعلام الأوروبي الذي كان ينظّر من خلال مراكزه البحثية ومنظماته الأهلية على العالم «الثالث» بقواعد النزاهة والحياد والموضوعية في «عولمة» السلطة «الرابعة» في عالم بات قرية صغيرة!

في لغة الخياطين هناك جملة من الأشياء (غير الأساسية) تسمى «كلف» يعلم الجميع أنها تحت خانة ما يمكن الاستغناء عنه. ما يكسب الرداء والإزار العظمة هو من يرتديهما لا من يحيكهما أو يحكي عنه.