الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

تفكيك المجتمعات العربية

من أخطر نتائج العبث التركي والإيراني بالدول العربية تفكيك المجتمعات وإهدار قيمة الإنسان، وتحويل الكم السكاني إلى ركام من الفائض البشري، الذي يمثل عبئاً حضارياً واقتصادياً وإنتاجياً على دُوله، من خلال إفقاد أجيال الشباب فرص التعليم والصحة والتربية الثقافية، التي تجعلهم مواطنين صالحين قادرين على تحمل مسؤولية تنمية مجتمعاتهم وتحقيق أهداف، بل إن الأمر قد تطور لتحويل قطاع كبير من الأجيال الشابة إلى معاول هدم، وتدمير وتخريب للحاضر، والمستقبل والماضي أيضاً.

هذه الصراعات ذات المظهر السياسي هي في حقيقتها حروب ديموغرافية استهدفت تفكيك المجتمعات، وتحويل الإنسان إلى أداة، أو آلة عمياء تحقق الأحلام الفارسية والأوهام العثمانية.

تفكيك المجتمعات تحقق في سوريا والعراق واليمن وليبيا من خلال تشويه البنية الديموغرافية لهذه الدول، وتحويلها إلى محرقة لأجيال الشباب، سواء من خلال القتل في الحروب الأهلية، أو تصديرهم كمرتزقة لخدمة طموحات السلطان التركي، أو دفعهم للهجرة عبر البحار، ما يعني فقدان الطاقات القادرة على تحقيق الطموحات في الحاضر، ومصادرة المستقبل من خلال القضاء على جيل كامل، ودفعه الهجرة، أو إلى التطرف والعنف والإرهاب، ومن ثَم تحويله من كونه عامل بناء وتنمية وتطوير وتقدم، إلى معول هدم وتدمير، وهذا الجيل كفيل بإخراج أجيال متتالية أكثر منه تخلفاً وعنفاً وتدميراً.


تفكيك المجتمع في الدول العربية التي تدخلت فيها تركيا وإيران، حدث كذلك على مستوى المكونات العرقية والدينية والمذهبية، حيث تم غرس بذور الشقاق والعداء بين الطوائف الدينية أو الجماعات العرقية، أو التوجهات السياسية، بحيث لن تستطيع هذه الدول أن تعود إلى حالة التماسك الاجتماعي، التي كانت موجودة من قبل أن تعبث بمصائرها تركيا وإيران.


قد لا تكون هناك مبالغة إذا قيل إن هذه الدول تحتاج من جيل إلى جيلين حتى تتعافى من آثار الحروب والصراعات الأهلية التي تم إشعالها، وتعظيم سُعارها بشعارات دينية ومذهبية وطائفية وحزبية، وحتى تتم حالة التعافي المنشودة لا بد من ثورة ثقافية شاملة تتجاوز كل عمليات التخريب العقلي والثقافي التي شوهت الوعي الجمعي لجيل كامل.

وما حدث للإنسان في هذه الدول كان أشد بشاعة وعنفاً، فقد حولت تركيا جيلاً من الشباب السوري، الذي كان في مقدمة الشباب العربي وعياً وثقافة وتعليماً، إلى مجموعات من المرتزقة، التي تقاتل مأجورة لتحقيق أهداف أردوغان من ليبيا إلى أذربيجان، تبيع حياتها من أجل لقمة عيش مغموسة في الذل والهوان.