الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

خطر الإرهاب.. من مالي إلى باريس

أثار حادث تحرير الرهائن الذين سبق أن احتجزتهم «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» في مالي، والذي تعرضنا له الأسبوع الماضي، جدلاً واسع النطاق في فرنسا، وهناك سؤالان حول الموضوع يحتاجان إلى إجابة.

أولاً، من الذي دفع مبلغ 20 مليون دولار فدية لهذه الحركة المتمردة؟ حيث هناك شك كبير بأن تكون الفدية قد دُفعت من الخزانة المستنفدة للمجلس العسكري المالي الجديد، وهذا يعني أن كثيراً من التساؤلات حول الموضوع تبقى قائمة ومفتوحة.

ثانياً، ما المبرر الذي يقف وراء تحرير الكوادر الرئيسية للحركة، والذين سبق لهم أن أُدينوا بارتكاب مجازر ضد المدنيين الأبرياء، وشنّوا العديد من الهجمات ضد القوات العسكرية النظامية؟


لا شك أن احتمالات حدوث خيانة في أوساط الجيش الفرنسي المنتشر هناك منذ ما يقارب العقد من الزمن لمحاربة هؤلاء المتمردين قائمة، وربما تكون مؤكدة أيضاً، ومن الممكن تبرير هذه العملية لو كانت مترافقة مع تسوية سلمية شاملة، إلا أن المسألة ليست كذلك أبداً، وهذا ما يتضح من موقف المتمردين الذين احتفلوا بتحقيق «النصر»، ويبدو أيضاً أن العكس هو ما يحدث بالفعل، وأن العملية قد تفتح الطريق أمام المزيد من التطورات المقبلة، ولا شك أيضاً أن هذه المجموعة المتمردة التي تسيطر على ثلثي أراضي دولة مالي، سوف تزيد من حدّة ضغطها على البلدان المجاورة وربما على منطقة الساحل الإفريقي برمتها.


وأدى تطور منفصل وغير منتظر إلى إلقاء المزيد من الغموض على هذه الأسئلة، حيث أقدم إرهابي على قطع رأس مدرس في مدرسة ثانوية في إحدى ضواحي باريس، وكان المدرس قد عمد إلى تقديم شروح حول المبادئ الأساسية للمجتمع الفرنسي، ثم انتقل إلى مناقشة موضوع صور النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، وموقف الدولة الفرنسية من الدين معروف، كما أن ضمانها لحرية تبنّي المعتقدات الدينية والتزامها بالمساواة في التعامل مع كل الأديان، هو الأساس الذي يقوم عليه المجتمع الفرنسي.

ويكون دور المدرسة واضح في هذا المجال، وهو أن تشرح للأطفال الأهمية الكامنة في احترام سيادة القانون والتعايش السلمي بين جميع المذاهب والأديان، وهذا يوضح السبب الذي جعل هذه الجريمة البشعة تمثل صدمة قوية في المجتمع الفرنسي بكل طبقاته، والمجرم فتى لاجئ من أصل شيشاني ينحدر من مجتمع ذي خلفية مختلفة تماماً، وموطنه الأصلي يتألف من سلسلة من الجبال الشاهقة والوديان السحيقة، وتقيم فيه قبائل وعشائر، لا يمتلك سكانه أي إحساس بمعنى الدولة المستقرة، وسبق له أن ذاق الأمرّين من القمع القاسي في أيام السيطرة الاستعمارية الروسية.

وبعد هاتين الحادثتين، يمكن القول: إن الدولة والمجتمع الفرنسيين أصبحا الآن في مواجهة تحديات خطيرة تهدد النموذج الحضاري الذي تبلور واتخذ شكله النهائي في أوروبا الغربية، وبات يتعرض الآن للتهديد في أصله وفروعه.