الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

موريتانيا.. والمادة 93 من الدستور

يدور في موريتانيا، الآن، جدل كبير حول مسؤولية رئيس الجمهورية عن أفعاله أثناء ممارسة سلطاته، وسبب هذا الجدل ورود اسم الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز في تقرير للجنة تحقيق برلماني في فساد كبير يُظن أنه ضالع فيه بشكل أو بآخر، لذلك، أحيل الرجل مع مسؤولين في عهده، إلى شرطة الجرائم الاقتصادية للتحقيق معهم، ويلوذ الرئيس السابق بصمت مطبق، متمسكاً بالمادة 93 من الدستور الموريتاني (1991) التي يرى أنها تحصنه حصانة مطلقة من المتابعات الجنائية.

تقول هذه المادة: «لا يكون رئيس الجمهورية مسؤولاً عن أفعاله أثناء ممارسة سلطاته، إلا في حالة الخيانة العظمى»، وهذا النص حمَّال أوجه، فهل يعني أن حصانة الرئيس تقتصر على الفترة التي يكون فيها رئيساً؟ فلا يمكن متابعته أو اتهامه إلا بشرط واحد وهو الخيانة العظمى، وفي هذه الحالة يمكن أن يخضع، وهو في منصبه، للتحقيق البرلماني، وإحالته إلى محكمة العدل السامية، أم أن حصانة الرئيس عن تلك الأفعال تستمر مدى الحياة؟ أم أن هناك تأويلاً آخر للمادة؟

انقسم المختصون إلى ثلاثة مذاهب، أحدها يرى أن رئيس الجمهورية لا يُسأل عمَّا يفعل أثناء رئاسته، باستثناء الخيانة العظمى، لا أثناء تولّيه المنصب ولا بعد خروجه منه، والمذهب الثاني يرى أن هذه الحصانة تنطبق على الرئيس أثناء ممارسة السلطة فقط، أما بعدها فإنه يُتابع في جميع الجرائم والجنح التي اقترفها أثناء رئاسته، فكلمة «أثناء» الظرفية، وفق هذا الرأي، مرتبطة بفترتين زمنيتين متطابقتين: زمن اقتراف الجرائم، وقد حُدد بأنه وقت ممارسة السلطة، وزمن الحصانة وهو أيضاً مرتبط بزمن مزاولة السلطة لا ما بعدها.


أما المذهب الثالث، وهو جمع بين الاثنين، فيرى أن المادة (93) تُحصِّن الرئيس من المتابعات المتصلة بالأفعال التي يمارسها بصفته رئيساً يمثل سيادة الدولة، أما التي يزاولها كشخص عادي، فإنه مسؤول عنها، ولكن لا يُتابَع إلا بعد انتهاء رئاسته، ومن طريق القضاء العادي فقط، ووفقاً لذلك، فإن الفساد واستغلال النفوذ للكسب غير المشروع خارجان عن وظيفة الرئيس، بل هما متعارضان معها أشد التعارض، لأنهما يُحيلانه من حامٍ للدستور إلى منتهك له، وسيستمر هذا الجدل إلى أن تحسمه المحكمة العليا أو العرف الدستوري.