الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

خريف جماعات الضغط الأمريكية

مرّت انتخابات 44 رئيساً أمريكياً على نحو أيسر كثيراً مما تمرّ به انتخابات 2020، فالرئيس الـ45 دونالد ترامب أو الرئيس المحتمل 46 جو بايدن.. كلاهما يستخدم خطاباً غير معتاد، ويخوض استقطاباً غير مسبوق، فالاتهامات الجنائية من «التهرب الضريبي لترامب» بحسب بايدن، أو «الفساد المالي لعائلة بايدن» بحسب ترامب، هي اتهامات تجاوزت ما كان في كل الانتخابات السابقة، حتى بدت في بعض الأحيان، كأنها حملات انتخابية تجري وقائعها في إحدى دول العالم الثالث.

في تقديري.. ثمّة جديد مهم في هذه الانتخابات لم يقف عنده كثيرون، وهو تراجع دور «اللوبيات» أو «جماعات الضغط» الأمريكية.

فيما قبل كانت جماعات الضغط هي الأكثر حضوراً في الدعم أو الهجوم، وكانت أنظار المحللين تتجه نحو عدد محدود من جماعات الضغط، لترى ماذا لديها وماذا تريد؟ وكان المرشحون بدورهم ينظرون صوب جماعات الضغط، مدركين أن التفاهم مع هذه الجماعات يمثل عاملاً أساسياً في حسابات المكسب والخسارة، حتى بدا الأمر كأن رضا هذه الجماعات أهم من رضا الشعب.


لم يعد الأمر كذلك، ففي انتخابات 2016 تراجع هذا الدور إلى حد ملحوظ، وفي انتخابات 2020 تراجع إلى حد كبير، ولم يعد كثيرون في واشنطن يتحدثون، بالقدر ذاته، عن دور جماعات اللوبي في الانتخابات الأمريكية.


لقد كان من بين أسباب ما يمكن تسميته «خريف جماعات الضغط» هو الحضور المفاجئ لعشرات الملايين من الأمريكيين غير المتعلمين من ذوي البشرة البيضاء، كان الحضور المباغت لهؤلاء، هو ما أدى إلى فشل معظم استطلاعات الرأي عام 2016، كما كان من بين الأسباب أيضاً صعود دور الدين في السياسة الأمريكية، فالمرشح جو بايدن هو رجل التقوى والورع، والرئيس الأمريكي يلتقي القساوسة ويحمل الإنجيل.

حسب مركز «بيو» فإن 88% من أعضاء الكونغرس يعرّفون أنفسهم كمسيحيين، كما أن الأصولية البروتستانتية تمثل عاملاً جوهرياً في حسابات الانتخابات الأمريكية، فحضور البيض غير المتعلمين، وعودة «حزب الكنبة» الأمريكي والكتلة الصامتة إلى السياسة، وكذلك الصعود المتزايد للدين، قد أثر إلى حد كبير في إضعاف جماعات الضغط، لكن العامل الأكبر كان صعود الدور الروسي والصيني في الانتخابات الأمريكية.. ذلك أن معظم الاتهامات بين الحزبَين تبدأ من موسكو أو بكين وتنتهي عندهما، ولقد حلّت روسيا والصين محل جماعات الضغط الأمريكية، وانتقلت عوامل التأثير من السباق الداخلي إلى السباق العالمي.

لم تنتهِ جماعات الضغط، ولن تنتهي، ولكنها فقدت الكثير من البريق، وسوف تواصل، أو أنها ستتوزع بين اللاعبين الدوليين الجدد.

إن جماعات الضغط الأمريكية هي نموذج استثنائي في العالم، حيث لا يوجد سوى في الولايات المتحدة، وبقدر ما أدت هذه الجماعات خدمات مهمة في العديد من الأزمات بقدر ما خلقت أزمات لتديرها، وسيكون تراجعها خبراً جيداً للكثيرين، كما أنه سيمثل تغييراً كبيراً في آليات العمل النخبوي في القوة العظمى.