الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

أزمة المسلمين في فرنسا

أعاد حادث ذبح المعلم الفرنسي على يد اللاجئ الشيشاني الحديث عن أزمة المسلمين في فرنسا، التي يقدر عدد الجالية المسلمة فيها بستة ملايين نسمة، ويعد الإسلام الديانة الثانية بعد المسيحية.. هذه الجالية تعيش بين مطرقة المضايقات والاستفزازات وسندان عدم القدرة على التعايش داخل دولة قطعت أشواطاً كبيرة من أجل فصل الدين عن الدولة.

أزمة الجالية المسلمة في فرنسا ذات بعدين: البعد الأول، يكمن في تمددها بصورة أصبحت تقلق السلطات من تغير محتمل للبنية الاجتماعية والثقافية داخل بلد علماني، وقد ازداد هذا القلق بصورة أكبر مع زيادة تأثير حركات الإسلام السياسي في أفراد الجالية المسلمة، وترويجها لخطاب المظلومية ونصرة الدين، عبر الجمعيات والمنظمات الدعوية والخيرية.

التخوف من هذا التأثير المتزايد دفع السلطات الفرنسية إلى الإساءة للإسلام وتشويه صورة المسلمين داخل فرنسا وخارجها، ليس فقط داخل دوائر المثقفين والنخب، ولكن أيضاً داخل الدوائر السياسية، وفي الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، ما أذكى ظاهرة الإسلاموفوبيا وخلق حالة عزلة وأزمة اغتراب لدى الجالية المسلمة، وهذه الأخيرة باتت تشعر، بشكل متزايد، أنها لا تمتلك حقوق المواطنة، وأنها تعاني التمييز المبني على الدين، في دولة تزعم أنها راعية الحقوق والديمقراطية في العالم.

البعد الثاني مرتبط بالبعد الأول، ويتجلّى في عدم قدرة المسلمين أنفسهم على الاندماج داخل المجتمع الفرنسي بسبب الموروث الثقافي، الذي لم يستطع الانصهار داخل مجتمع علماني، وبسبب ما يتعرضون له من إساءة وتمييز وإقصاء، مقابل المال الوفير الذي يغدقه الإسلامي السياسي والجماعات المتطرفة، مرة بحجة الحفاظ على الدين ونشر الإسلام وهدم أسس دول ديمقراطية، ومرة أخرى بحجة الدفاع عن الإسلام من خلال تأويله تأويلاً مغلوطاً يراد منه نشر العنف وخدمة أجندات سياسية.

نتيجة لكل ذلك، لم تنجح السياسات الفرنسية المتتالية، من مبادرة تأسيس )مجلس التفكير حول الإسلام في فرنسا) 1989، مروراً بإنشاء (المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية) 2003، وصولاً إلى «إسلام الأنوار» الذي يسعى الرئيس ماكرون لتحقيقه، في إدماج المكون المسلم داخل المجتمع الفرنسي.

ولم ينجح الإسلام بفرنسا في أن يتحول إلى مشروع وطني، ولم ينجح في التعايش مع الدولة العلمانية التي تسمح بالاختلاف في حدود احترام مبادئها ومقوماتها.

من هنا، لا بد من البحث عن حلول جدرية، وبداية الإصلاح تبدأ من تجديد الخطاب الديني داخل الدول الإسلامية قبل البحث عن حل أزمة المسلمين في الغرب.