الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

خطاب الكراهية والتطرف

يقف المرء حائراً أمام موجات الكراهية المتلاحقة، التي تعصف بوسائل التواصل الاجتماعي والمؤثرين فيها والمتأثرين بها على حد سواء، حيث باتت ساحة مفتوحة للحروب الإعلامية والأفكار المتطرفة الظلامية في أبشع صورها، في مواصلة منهجية متعمدة لحروب سابقة أشعلتها منابر إعلامية وأبواق مشبوهة سعت دوماً إلى استغلال رسائلها الإعلامية، لضخ الكمية الهائلة من الحقد والتحريض في سبيل انتصار مشروعها التآمري التدميري.

فقد روّجت المنصات المشبوهة لخطاب الكراهية والتطرف مستغلةً موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على أنه إساءة للرسول صلى الله عليه وسلم، وجيّشت الجيوش الإلكترونية ضد فرنسا والفرنسيين عامةً، دونما أدنى وعي بالتمييز بين تجربتنا وتجربتهم، وواقعنا وواقعهم، وأفكارنا وأفكارهم، دونما أدنى تفكيك واعٍ لما تناوله ماكرون في خطابه خلال تأبين المعلم صامويل باتي الذي قُطع رأسه على يد قاتل شيشاني متطرف.

حيث إنّه قال بالحرف: «لن نتخلى عن الرسومات والكاريكاتيرات، سنقدم كل الفرص التي يجب على الجمهورية أن تقدمها لشبابها دون تمييز وتهميش، سنعلم التاريخ مجده وشقه المظلم، وسنعلم الأدب والموسيقى والروح والفكر»، وكلامه هذا حمّال أوجه، فالرسومات التي يتحدث عنها هي رسومات تطاله أولاً كما تطال رموز السياسة والفكر والدين المسيحي قبل الإسلامي، والفرص التي يتحدث عنها هي فرص التمتع بممارسة الحريات التي نصَّ عليها القانون الفرنسي، وتوجّب عليه كرئيس لفرنسا أن يدافع عنها ويحرّم المساس بها، أما عن إشارته إلى التاريخ بمجده وشقه المظلم فهو يقصد أولاً التجربة الأوروبية التي مقتت التدين في شكله المسيحي، حيث كانت تُباع صكوك الغفران لزيادة ثروات الكنيسة ورجالها، التجربة التي اتّخذت موقفاً حازماً ضد رجال الدين حتى تمّ إحراق مقر البابوية ونهبه مراراً وتكراراً عبر التاريخ الوسيط.


كما إنّ الإشارة إلى الظلام إنما هي تأكيد على التنوير وحرية التعبير والرأي والاعتقاد، وهو ما يتمتع به ملايين المسلمين الذين يعيشون في أوروبا بمساجدهم وأفكارهم ومأكلهم وطقوس عبادتهم.
وفي كل ما سبق لا نجد إساءة إلى رسولنا الكريم إلا في ما نُسقطه على كلام الرئيس الفرنسي من نوايا وتفسيرات، تكاد تتفق مع خطاب الكراهية نفسه الذي يكفّر مقاطعي البضائع التركية، ومؤيدي خط الوسطية والاعتدال من العرب والمسلمين.