الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

من الثورات إلى العورات

للعرب قولان متضادان أولهما: إذا جاء الشيء في وقته، فقد مضى وقته، وثانيهما: أن تصل متأخراً خير من ألا تصل، وأراني مع القول الأول، وضد القول الثاني، فلا قيمة لأن تصل متأخراً، وخير لك ألا تذهب أصلاً، وتوفر على نفسك عناء الرحلة ومشقة الطريق.

وهناك خصلتان متضادتان، إحداهما التهويل، والأخرى التهوين، وقد بلغت الدول المتحضرة التقدم والرقي بالتهويل في القضايا والمشاكل بشعارنا العربي المعروف: «ومعظم النار من مستصغر الشرر»، بينما لم يبلغ العرب من التقدم شيئاً مذكوراً برذيلة التهوين والاستهانة، وبكلمات أودت بنا مثل: «لا بأس، والأمور تحت السيطرة والدراسة المتأنية، وأن المشكلة لم تصل إلى حد الظاهرة ولا تقلق ولا تتعجل»، و«إن شاء الله»، تلك العبارة الجميلة التي أسأنا إليها، فصارت للتسويف، وقد كان ابن تيمية عندما يسمع جملة إن شاء اللَّه، يقول: إن شاء اللَّه تحقيقاً لا تعليقاً.

ولذلك يصل العرب متأخرين جداً وبعد فوات الأوان، حتى إن وصولهم لا يعني شيئاً، فنحن في حالة تهوين وتسويف بلا نهاية ولا خير أبداً في الوصول المتأخر، لأن الأمراض تتفاقم ويكون علاجها مستحيلاً، وتكون عصية على الدواء، بل عندما تتفاقم الأدواء يكون الدواء نفسه داء، ولست أبداً مع المتنبي في قوله، مادحاً سيف الدولة الحمدانى:


وتعظم في عين الصغير صغارها


وتصغر في عين العظيم العظائم

أرى أن قول المتنبي ذماً وليس مدحاً، فليس عظيماً أبداً من يحتقر الأمور العظيمة، ويستعين بها ويصغرها، بل العظيم هو الأول الذي يكبر الأمور الصغيرة، ويهون المشكلات الصغيرة، ليهب لحلها قبل أن تتفاقم وتتمرد علي أي حل، ويقال إن الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان، طلب من جلسائه أن يرشحوا له قائداً لإحدى الحملات، فأجمعوا على رجل شهدوا له جميعاً بالإقدام والشجاعة، وراحوا يعدون مناقبه..

فقال الخليفة: هو فيه كل ما قلتم، ولكني لا أرضاه.

فقيل له: ولمَ يا أمير المؤمنين؟!

فقال: لأنه يستهين بالعدو.

لقد خسر العرب كثيراً بالتهوين من شأن الخريف العربي، ومؤامرة الشرق الأوسط الكبير، رغم أن الأمور كانت واضحة جداً، ولكن العرب استبعدوا الخطر واستهانوا، وكلما ضرب الخريف دولة، تقول الدولة الأخرى: نحن لسنا مثلها، نحن مختلفون، حتى ضرب الخريف الجميع، ولا نزال في آثار العاصفة الهوجاء، وتوابع الزلزال المدمر، ولا نزال نسمِّي العورات ثورات.