الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

ماكرون.. واستثمار «الإسلاموفوبيا»

لم يوفق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في اتخاذ التدبير الأمثل لمواجهة الأزمات والعوارض التي تلحق ببلاده، كما أنه افتقاده للتبصر لحل المشكلات التي تواجه المجتمع الفرنسي، جعله يقف طرفاً، بدا متحيّزاً، في إشكالية كبرى ومعقدة، تتعلق باستفزاز عقائدي للمسلمين، بدون أي وعي منه بخطورة تداعيات مواقفه على مصلحة فرنسا.

إن طريقة معالجة الرئيس لحدث قتل «المدرس باتي»، وهو فعل همجي نشجبه، كشفت عن مواقفه الفكرية والسياسية، بإعلانه في حفل تأبين القتيل: أن فرنسا ستعيد نشر رسوم الكاريكاتير وتشجّع عليها، بحجة الدفاع عن حرية التعبير، الأدهى من ذلك، أنه تابع كلامه بإشارة خاطئة، بقوله: «إن الإسلاميين يريدون الاستحواذ على مستقبلنا»، فحاول أن يمرر هذه الجملة بشكل عائم وماكر، وبدون أي تدقيق في الكلمات، حتى تفهم منه العامة الفرنسية أنه لا يقصد النزعات المتطرفة فقط، بل كل حاملي الديانة الإسلامية.

إن خطورة هذا التعبير تكمن في تقاطعه الواضح مع قناعات اليمين المتطرف الذي يعادي العرب والمسلمين، ويرى في الإسلام تهديداً للمسيحية في أوروبا ولهوية الرجل الأبيض، وهو بذلك ينقلب على مضمون آخر خطاب انتخابي له، وهو ينعت «ماري لوبين» بأنها تمثل «حزب الكراهية» وأنه لن يقبل أن يشتم الناس فقط لأنهم مسلمون.


ليس لأن ماكرون لا يدرك الفرق بين المسلم والإرهابي، وإنما يقصد ما يقول بخلفية تقوم على ثلاثة عناصر، أولها: سعيه إلى مصالحة سياسية مع اليمين المتطرف، لضمان استقرار اجتماعي، قد يلعب فيه هذا اليمين دوراً طلائعياً، ولا سيّما إذا علمنا أنه أصبح مؤثراً في المظاهرات التي باتت تشهدها فرنسا مؤخراً، ومنها احتجاجات أصحاب السترات الصفراء.


ثانيها، تعبيد الطريق لتمرير قانون ضد ما أسماه «الانفصالية الإسلامية» يستهدف حرية المسلمين، ويضخم الضغوطات ضدهم، بحجة أن هذه الانفصالية تسعى إلى إقامة نظام موازٍ ينكر الجمهورية الفرنسية، لكنه يتوخى من هذا المشروع التغطية على إخفاقاته السياسية والدبلوماسية، وعجزه عن التدبير الناجع لجائحة كورونا، وإنعاش الاقتصاد.

ثالثها، استثمار «الإسلاموفوبيا» في توصيد ولايته الرئاسية الأولى، سعياً إلى بلوغ ولاية رئاسية ثانية، وذلك بمحاولة الإيهام بأن هناك تقاطعاً أيديولوجياً بين قناعاته وبين الخطاب اليميني المتطرف، بالرغم من الخلافات السياسية بينهما، على مستوى الخطاب، التي يحكمها ظرف الانتخابات.

فات عن ماكرون أن تحريضه على نشر أيديولوجي لرسوم الكاريكاتور سيحوّل الكراهية إلى فعل يفسد استقرار المجتمع الفرنسي، ويعطي للعنف تبريراً بيداغوجياً يسهل من خلاله استقطاب مزيد من «الجهاديين» و«المغامرين»، كما أن تصريحاته غير المحسوبة ستضر كثيراً باقتصاد بلاده، نتيجة حملة شعبية عربية إسلامية واسعة عبر قنوات التواصل الاجتماعي، تحث على مقاطعة منتجات فرنسا، حيث يؤكد اقتصاديون فرنسيون أن نجاح هذه المقاطعة، يعني ضربة قوية للاقتصاد الفرنسي الذي يعاني أزمة هيكلية عميقة.