الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

أردوغان.. إهانة للمؤمنين

إنه لشعور حزين ومؤسف أن يرى المرء رئيسه وهو يتلقى الإهانة من أحد زملائه، ولا توجد علاقة بين هذا الذي حدث وبين تأييد آرائه أو قراراته السياسية، بل إن المسألة تتعلق بالمواقف الإنسانية ومستوى التعليم والتثقّف، ولقد بدأت أشعر بكل ما يخالج زملائي الأتراك من مشاعر، والذين يخجلهم السلوك المنحرف لرئيسهم.

من الواضح أن أردوغان اختار لنفسه الانضمام إلى البعض من القادة السياسيين العالميين الذين لا يخفون احتقارهم لرجال ونساء بلدهم أو حتى لزملائهم الأجانب، والذين عادة ما يصبحون مجالاً للسخرية بأكثر مما يمكن لسلوكهم أن يؤخذ على محمل الجد، إلا أن هذا النمط الجديد من السلوك في العلاقات الدولية يجب أن يثير لدينا المزيد من القلق والاهتمام.

لقد شاء الله لي أن أنشأ في زمن العالم المنقسم والعامر بالعداء المتبادل، عالم يعجّ بحروب التحرير التي تترافق مع العنف المطلق والقتل الجماعي، ولكن، عندما أعود بذاكرتي إلى الوراء، أجد نفسي عاجزاً عن تذكّر مثل هذه التعابير المليئة بمعاني الكراهية المطلقة والاحتقار.


لقد كان بين عدوّي الأمس الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي «خط هاتفي أحمر» يتم اللجوء إليه من أجل تجنّب أي مواجهة غير متوقعة أو استفزاز خاطئ، وحتى الحرب الوحشية في فيتنام لم تمنع الأطراف المعنية من عقد مفاوضات منذ البداية، ثم انتهت إلى النجاح التام، وربما تكون أهوال الحرب العالمية الثانية قد أدت إلى استمرار الشعور العام بالخوف من الدمار، ويبدو أن هذه الذكريات الأليمة يمكن نسيانها تماماً عندما نرى كيف يتلذّذ بعض زعماء العالم بالعبث بالنار، وتثير الإهانات الموجهة لماكرون عدة تساؤلات.


أنا من جهتي، لست مهتماً بمعرفة الطريقة التي ينظر بها ماكرون للإسلام أو لأي عقيدة أخرى، فهذا شأنه واختياره، ولا سيّما أن جمهوريتنا تضمن لأي إنسان الحرية الكاملة في اختيار دينه أو عدم اختيار أي دين، والتعبير عن مشاعره المتعلقة بهذا الموضوع في إطار ما يسمح به القانون، أما الشيء الذي يهمني ويقلقني فهو موقفه كرئيس للدولة قمنا باختياره بأنفسنا من أجل أن يحمي وحدتنا وأمتنا، ومن ثمّ فإن توجيه الإهانة إليه هو إهانة للأمة الفرنسية كلها، وتتطلب رداً حازماً.

والأدهى من كل ذلك أن الإساءات استهدفت «روح التنوير»، التي ابتدعها الفلاسفة الفرنسيون منذ القرن الـ18 على التوازي مع التعاليم التي ترسّخ مفهوم التسامح.

دعنا نتذكر أيضاً أن أردوغان ليس لديه ما يؤهله لأن يصبح المدافع المخلص عن الإسلام، وكل ما يثير اهتمامه الآن هو استغلال الإسلام كأداة لإقامة فتوحات جديدة، وتكريس سلطته المطلقة.

إنه بحق يمثل إهانة للمؤمنين الذين عرف كيف يخدعهم، وهو يشير إلى عدو وهمي ابتدعه من بنات أفكاره، ويذكرنا بالأساليب التي اتبعها دكتاتوريو القرن الماضي الذين دفعوا بشعوبهم إلى التهلكة.