الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

سنغافورة.. وتسوية المنازعات التجارية

لا يمكن للجدارة والصدارة أن تكون أبدية، والمحافظة على المراتب التنافسية المتقدمة تستلزم تعلماً وتطويراً مستمرين، وابتعاداً عن «الغرور المؤسسي» و«وهم أبدية الصدارة»، والاستفادة من ذوي التجارب المتفرّدة، وإن كانت قليلة في عدد السنوات، لكنها عميقة الأثر والنتائج والسمعة الدولية، وهناك مبادرة تسترعي الانتباه، أخذت بزمامها مجموعة غير رسمية في مجال (آليات تسوية المنازعات بالطرق البديلة) من أعضاء يمثلون مجلس العموم والنواب البريطاني (APPG ADR)، قاموا بزيارة «مقارنة معيارية» إلى المستعمرة البريطانية السابقة «جمهورية سنغافورة» في أغسطس من العام الماضي، تحت مسمى «زيارة تقصي الحقائق»، بالتعاون مع ممثلين من المجمع الملكي البريطاني للمحكمين المعتمدين (CIArb).
الهدف الرئيسي من الزيارة، هو الوقوف على أسباب تبوّؤ سنغافورة تلك المكانة الدولية الريادية في مجال «تسوية المنازعات التجارية» باستخدام «وسائل الحلول البديلة» (ADR) والتحكيم التجاري، وكيف استطاع هذا النمر الآسيوي استقطاب خصوم من خارج سنغافورة لتسوية منازعاتهم وحوز ثقتهم؟ وما السر الكامن الذي جعل منها «معجزة التحكيم التجاري الدولي» في أقل من عقدين من الزمان؟ والتقرير الصادر عن أعضاء الوفد أخيراً، بعنوان «المحافظة على مكانة بريطانيا كمقر لتسوية المنازعات.. أفضل الممارسات والدروس من سنغافورة»، يرصد ويحلل ممارسات وممكنات نجاح التجربة السنغافورية في تسوية المنازعات، خاصة التجارية، التي صارت، بحق، الملهم الأول لكثير من الدول التي ترغب في ارتقاء سلم تسوية المنازعات.
وقد امتدت تلك الزيارة أسبوعاً، شملت لقاءات مع كبار المسؤولين في سنغافورة، بدءاً بالمدعي العام ورئيس مجلس القضاء ووزير القانون، وأعضاء في البرلمان ومسؤولي مراكز التحكيم.. وقفات عديدة يعكسها التقرير، جديرة بأن تكون تحت مجهر التحليل، أكثر ما يلفت الانتباه هو أن المبادرة لم تأتِ من الدولة الفتيّة التي كانت ذات يوم، إحدى المستعمرات البريطانية، ولكن بريطانيا العظمى هي من أخذت بزمام المبادرة، على الرغم من أنها صاحبة الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس، فلم تجد حرجاً من الاتجاه شرقاً، لتُفيد من ممارسات وتجارب إحدى مستعمراتها السابقة، التي لم تكن على خارطة الدول ذات السيادة قبل الاستقلال عن ماليزيا في أغسطس 1965، أيضاً تاريخ الزيارة جاء في الشهر نفسه الذي نالت فيه سنغافورة استقلالها قبل نحو (55) عاماً.