السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

نصرةُ الإسلام بمخالفته

يُفَرِّق عبدالقاهر الجرجاني (1009 ـ 1078م) في كتابه «التعريفات» بين الدين والملة والمذهب؛ حيث يقول «الفرق بين الدين والملة والمذهب: أن الدين منسوب إلى الله تعالى، والملة منسوبة إلى الرسول، والمذهب منسوب إلى المجتهد»، ويمكن أن نضيف إلى ذلك أن التدين منسوب إلى الإنسان في علاقته بالمذهب والملة والدين.

التدين هو اتباع الدين من قبل الإنسان، وهو يحتاج إلى منظومة قيم على رأسها الإخلاص والتقوى والورع، ويحتاج إلى سلوكيّات معينة، مع التأكيد على أولوية القيم على السلوكيات، أي أن ما وَقَرَ في القلب أسبق مما سينعكس في العمل.

وقد شهد التدين في عصرنا حالة من الارتباك، فقد تداخلت القيم مع السلوكيات، وانقلبت العلاقة بينهما، وتشابكت العلاقة بين الوسائل والغايات؛ فصارت الوسائل غايات والغايات وسائل، وأصبح تدين البعض هو مصدر الدين للآخرين، بل صار أهم من الدين ذاته، وأصبح الإنسان يتدين بالتقليد الأعمى لمن يرى أنه متدين، لذلك أصبح التدين - الذي هو انعكاس للدين في نفس الإنسان - هو الدين نفسه، وأهم من الدين ذاته، وتطور الأمر حتى صار التدين ضد الدين، ويناقضه ويخالفه، بل ويهدمه من أركانه بجهل أو غباء، أو بهما معاً.


رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم؛ الذي نهى عن قطع شجرة في وقت الحرب، أو ترهيب شيخ، أو تعكير صفو راهب في صومعته، أو قتل من لا يحمل السلاح من جيش العدو، أو قتل من يحمل السلاح وهو في حالة الانسحاب، هذا الرسول الكريم الذي أرسله الله رحمة للعالمين يرفع رايته، ويدعي خلافته من خالفه في كل حرف قاله، وفي كل فعل فعله، وفي كل قيمة أمر بها، فصارت راية رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم تُرفع فوق رؤوس أبرياء لا يحملون سلاحاً، وليسوا في أي جيش معادٍ لهم، وهي تقطع مثل ذبح البهائم.


ورسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلَا اللَّعَّانِ، وَلَا الْفَاحِشِ، وَلَا الْبَذِيء» يدعي نصرته بذيء اللسان، عديم الأخلاق من يسارع الى السّب اللعن والسخرية والاستهزاء بالخلق أياً كان موقفهم، وأياً كانت جرائمهم.

الأخلاق في الإسلام مطلقة وليست نسبية، لا تقوم على المعاملة بالمثل، فالمسلم الذي يتبع سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، يلتزم بأخلاقه مع أصحاب الأخلاق، ومع عديمي الأخلاق، لأنه يلتزم بها عبادة وليس مصلحة ولا معاملة بالمثل.